﴿وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ﴾ [ البقرة : ٣٠ ] فقوله ههنا :﴿فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ﴾ إشارة إلى التشبه بالملائكة في قولهم :﴿وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ﴾ وقوله ههنا :﴿واستغفره﴾ إشارة إلى قوله تعالى :﴿وَنُقَدّسُ لَكَ﴾ لأنهم فسروا قوله :﴿وَنُقَدّسُ لَكَ﴾ أي نجعل أنفسنا مقدسة لأجل رضاك والاستغفار يرجع معناه أيضاً إلى تقديس النفس، ويحتمل أن يكون المراد أنهم ادعوا لأنفسهم أنهم سبحوا بحمدي ورأوا ذلك من أنفسهم، وأما أنت فسبح بحمدي واستغفر من أن ترى تلك الطاعة من نفسك بل يجب أن تراها من توفيقي وإحساني، ويحتمل أن يقال : الملائكة كما قالوا : في حق أنفسهم :﴿وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ﴾ قال الله في حقهم :﴿وَيَسْتَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ﴾ [ غافر : ٧ ] فأنت يا محمد استغفر للذين جاؤوا أفواجاً كالملائكة يستغفرون للذين آمنوا ويقولون :﴿رَبَّنَا فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ﴾ [ غافر : ٧ ] الوجه الرابع : التسبيح هو التطهير، فيحتمل أن يكون المراد طهر الكعبة من الأصنام وكسرها ثم قال :﴿بِحَمْدِ رَبّكَ﴾ أن ينبغي أن يكون إقدامك على ذلك التطهير بواسطة الاستغفار بحمد ربك، وإعانته وتقويته، ثم إذا فعلت ذلك فلا ينبغي أن ترى نفسك آتياً بالطاعة اللائقة به، بل يجب أن ترى نفسك في هذه الحالة مقصرة، فاطلب الاستغفار عن تقصيرك في طاعته والوجه الخامس : كأنه تعالى يقول يا محمد إما أن تكون معصوماً أو لم تكن معصوماً فإن كنت معصوماً فاشتغل بالتسبيح والتحميد، وإن لم تكن معصوماً فاشتغل بالاستغفار فتكون الآية كالتنبيه على أنه لا فراغ عن التكليف في العبودية كما قال :﴿واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين﴾ [ الحجر : ٩٩ ].
المسألة الثانية :