قال ابن مسعود : ولما دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أقرباءه إلى اللّه، قال أبو لهب : إن كان ما تقول يا ابن أخي حقا فأنا افتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل اللّه هذه السورة وهذا يصح إذا وقع منه نزولها لا عند نزول آية الشعراء الآنفة الذكر.
وبعد أن حقق اللّه وعده فيه بهلاكه في الدنيا على الصورة المذكورة أوعده بانه في الآخره أيضا (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ ٣) تتوقد وتنلهب في قلبه لشدة حسده له في الدنيا وفي الآخرة تحرقه (وَامْرَأَتُهُ) أم جميل المتقدم ذكرها في بحث فترة الوحي في المقدمة وصفها بقوله "حَمَّالَةَ "الْحَطَبِ ٤" في جهنم، ذمها مع ما هي عليه من الشرف وكريم المحتد، لأنها كانت تحمل الشوك والحسك وتطرحه في طريق رسول اللّه وأصحابه وتنم عليهم لشدة عداوتها لهم.
مطلب ما قالت أم جميل وما قيل فيها :
ولما نزلت هذه الآية جاءت حاملة فهرا (حجرا صغيرا) وقالت لأبي بكر والنبي بجانبه :
لأفعلن كذا وكذا بصاحبك لأنه هجاني وأنا أماثله بالشعر وأنشدت :
مذمما أبينا ودينه قلينا
وأمره عصينا
وقد أعمى اللّه بصرها عن رؤية محمد صلى اللّه عليه وسلم ولما سأله أبو بكر قال : حجبتني عنها الملائكة "فِي جِيدِها" عنقها "حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ٥" ليف كانت تنقل فيه
الحطب، فأبدلها اللّه سلسلة من حديد محماة في عنقها تعذب فيها في نار جهنم.
هذا وقد عيّر بعض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بحمالة الحطب فرد عليه بقوله :
ماذا أردت بشتمي أو بمنقصي أم ما تعيّر من حمالة الحطب
غراء شادخة في المجد غرتها كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب
أي وقد وقع منها ما وقع من قومها فذمها اللّه لا غير، أي لم تنتقد في شيء تعاب به عند العرب إذ ذاك ولا بعد هذا واللّه أعلم.
أستغفر اللّه العظيم ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. أ هـ ﴿بيان المعاني حـ ١ صـ ١٢٠ ـ ١٢٣﴾


الصفحة التالية
Icon