وإلى أنه لم ينفعه قربه له ليكون ذلك حاملاً لأهل الدين على الاجتهاد في العمل من غير ركون إلى سبب أو نسب غير ما شرعه سبحانه، فقال تعالى معبراً بالماضي دلالة على أن الأمر قد قضى بذلك وفرغ منه، فلا بد من كونه ولا محيص :﴿تبت﴾ أي حصل القطع الأعظم والحتم الأكمل، فإنها خابت وخسرت غاية الخسارة، وهي المؤدية إلى الهلاك لأنه لا نجاة إلا نجاة الآخرة، وجعل خطاب هذه السورة عن الله ولم يفتتحها ب " قل " كأخواتها لأن هذا أكثر أدباً وأدخل في باب العذر وأولى في مراعاة ذوي الرحم، ولذلك لم يكرر ذكرها في القرآن، وأشد في انتصار الله سبحانه وتعالى له ـ ﷺ ـ وأقرب إلى التخويف وتجويز سرعة الوقوع.
ولما كانت اليد محل قدرة الإنسان، فإذا اختلت اختل أمره، فكيف إذا حصل الخلل في يديه جميعاً، قال مشيراً بالتثنية إلى عموم هلاكه بأن قوته لم تغن عنه شيئاً، ولأن التثنية يعبر بها عن النفس، ومشيراً بالكنية وإن كان يؤتى بها غالباً للتشريف إلى مطابقة اسمه لحاله، ومجانسته الموجبة لعظيم نكاله :﴿يدا أبي لهب﴾ فلا قدرة له على إعطاء ولا منع، ولا على جلب ولا دفع، وإشارة إلى أن حسن صورته لم تغن عنه شيئاً من قيبح سيرته لقوله ـ ﷺ ـ " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "
لأنه إنما كني بهذا لإشراق وجهه وتوقد وجنتيه، ولأنها أشهر، فالبيان بها أقوى وأظهر، والتعبير بها - مع كونه أوضح - أقعد في قول التي هي أحسن.
لأن اسمه عبد العزى وهو قبيح موجب للعدول عنه غيرة على العبودية أن تضاف إلى غير مستحقها.