السؤال الثاني : أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان نبي الرحمة والخلق العظيم، فكيف يليق به أن يشافه عمه بهذا التغليظ الشديد، وكان نوح مع أنه في نهاية التغليظ على الكفار قال في ابنه الكافر ﴿إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق﴾ [ هود : ٤٥ ]، وكان إبراهيم عليه السلام يخاطب أباه بالشفقة في قوله : يا أبت يا أبت وأبوه كان يخاطبه بالتغليظ الشديد، ولما قال له :﴿لأَرْجُمَنَّكَ واهجرنى مَلِيّاً﴾ [ مريم : ٤٦ ] قال :﴿سلام عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي﴾ [ مريم : ٤٧ ] وأما موسى عليه السلام فلما بعثه إلى فرعون قال له ولهرون :﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً﴾ [ طه : ٤٤ ] مع أن جرم فرعون كان أغلظ من جرم أبي لهب، كيف ومن شرع محمد عليه الصلاة والسلام أن الأب لا يقتل بابنه قصاصاً ولا يقيم الرجم عليه وإن خاصمه أبوه وهو كافر في الحرب فلا يقتله بل يدفعه عن نفسه حتى يقتله غيره والجواب : من وجوه أحدها : أنه كان يصرف الناس عن محمد عليه الصلاة والسلام بقوله : إنه مجنون والناس ما كانوا يتهمونه، لأنه كان كالأب له، فصار ذلك كالمانع من أداء الرسالة إلى الخلق فشافهه الرسول بذلك حتى عظم غضبه وأظهر العداوة الشديدة، فصار بسبب تلك العداوة متهماً في القدح في محمد عليه الصلاة والسلام، فلم يقبل قوله فيه بعد ذلك وثانيها : أن الحكمة في ذلك، أن محمداً لو كان يداهن أحداً في الدين ويسامحه فيه، لكانت تلك المداهنة والمسامحة مع عمه الذي هو قائم مقام أبيه، فلما لم تحصل هذه المداهنة معه انقطعت الأطماع وعلم كل أحد أنه لا يسامح أحداً في شيء يتعلق بالدين أصلاً وثالثها : أن الوجه الذي ذكرتم كالمتعارض، فإن كونه عماً يوجب أن يكون له الشفقة العظيمة عليه، فلما انقلب الأمر وحصلت العداوة العظيمة، لا جرم استحق التغليظ العظيم.