بقي أن يقال : فلما لم يكن استفادتهما من السمع، فما الفائدة في ذكرهما في هذه السورة ؟ قلنا : قد بينا أن المراد من كونه أحداً كونه سبحانه في ذاته وماهيته منزهاً عن جميع أنحاء التراكيب، وكونه تعالى صمداً معناه كونه واجباً لذاته ممتنع التغير في ذاته وجميع صفاته، وإذا كان كذلك فالأحدية والصمدية يوجبان نفي الولدية والمولودية، فلما ذكر السبب الموجب لانتفاء الوالدية والمولودية، لا جرم ذكر هذين الحكمين، فالمقصود من ذكرهما تنبيه الله تعالى على الدلالة العقلية القاطعة على انتفائهما.
السؤال الخامس : هل في قوله تعالى :﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ فائدة أزيد من نفي الولدية ونفي المولودية ؟ قلنا : فيه فوائد كثيرة، وذلك لأن قوله :﴿الله أَحَدٌ﴾ إشارة إلى كونه تعالى في ذاته وماهيته منزهاً عن التركيب، وقوله :﴿الله الصمد﴾ إشارة إلى نفي الأضداد والأنداد والشركاء والأمثال وهذان المقامان الشريفان مما حصل الاتفاق فيهما بين أرباب الملل والأديان، وبين الفلاسفة، إلا أن من بعد هذا الموضع حصل الاختلاف بين أرباب الملل وبين الفلاسفة، فإن الفلاسفة قالوا : إنه يتولد عن واجب الوجود عقل، وعن العقل عقل آخر ونفس وفلك، وهكذا على هذا الترتيب حتى ينتهي إلى العقل الذي هو مدبر ما تحت كرة القمر، فعلى هذا القول يكون واجب الوجود قد ولد العقل الأول الذي هو تحته، ويكون العقل الذي هو مدبر لعالمنا هذا كالمولود من العقول التي فوقه، فالحق سبحانه وتعالى نفي الوالدية أولاً، كأنه قيل : إنه لم يلد العقول والنفوس، ثم قال : والشيء الذي هو مدبر أجسادكم وأرواحكم وعالمكم هذا ليس مولوداً من شيء آخر، فلا والد ولا مولود ولا مؤثر إلا الواحد الذي هو الحق سبحانه.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)
فيه سؤالان :


الصفحة التالية
Icon