فجاء جوابه :﴿ قَالَ رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [ الشعراء : ٢٤-٢٧ ].
وكتت سمعت من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، أن موجب قول فرعون عن موسى لمجنون، لأنه سأله بما في قوله :﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين ﴾ [ الشعراء : ٢٣ ]، وما يسأل بها عن شرح الماهية فكان مقتضى السؤال بها أن يبين ماهية الرب سبحانه وتعالى، من أي شيء هو، كما يقال في جواب : ما الإنسان إنه حيوان ناطق.
ولكن موسى عليه السلام أعرض عن سؤال فرعون لجهله عن حقيقة الله تعالى أو لتجاهله، كما في قوله تعالى :﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ﴾ [ النمل : ١٤ ]، وأجابه عما يخصه ويلزمه الاعتراف به من أنه سبحانه رب السماوات والأرض وما بينهما، لا ربوبية فرعون الكاذبة.
ومثل ذلك في القرآن، لما سألوا عن الأهلة، ما بالها تبدو صغيرة، ثم تكبر؟ فهو سؤال عن حقيقة تغيرها، فترك القرآن جوابهم على سؤالهم وأجابهم بما يلزمهم وينفعهم.
وكذلك جواب الخليل عليه السلام للنمرود حينما حاجَّه في ربه ﴿ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ].
فذكره سبحانه بصفاته، وفي هذه السورة لما سألوا عن حقيقة الله ونسبه جاء الجواب بصفاته، لأن ما يسألون عنه إنما يكون في المخلوقات لا في الخالق سبحانه، وفي الممكن لا في الواجب الوجود لذاته، سبحان من لا يدرك كنهه غيره، وصدق الله العظيم في قوله :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير ﴾ [ الشورى : ١١ ]، ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ﴾ [ طه : ١١٠ ]. أ هـ ﴿أضواء البيان حـ ٩ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon