لما كانت الكوثر علة للنهي عما تضمنه التكذيب من مساوئ الأفعال، وعلم بها أنه ( ﷺ ) مختص بالخير المستلزم لأن شائنه هو الأبتر، فكان موضع السؤال عما يفعل مع الشانئين من معاركه أو متاركة، جاءت الكافرون للمتاركة لقلة أهل الدين إذ ذاك، إشارة إلى أن هذه الدار مبنية على الأسباب، فعلم بالكافرون أن الشانئ مما لا يعبأ به، فتحركت النفس إلى سؤال عن وقت الصلاحية للمعاركة بعد هذه التاركة، وما يترتب على المعاركة من قهر الشانئ بالفعل، فجاءت سورة النصر لذلك الإشارة إلى أنه مما لا يسأل عنه بمتى، لتغبير ذلك في وجه الإحسان في التسليم، وإنما يسأل عما يفعل عندوعه من الإحسان في التعبد، معبرا بأداة التحقق إعلاما بأنه آت لا محالة، فالسؤال عن وقته ليس من دأب السائرين، ولما ظهرت ذخائر هذه الكنوز بدقائق تلك الرموز، وما انضم إليها من القرائن الظاهرة، استحضرت حال أبي لهب لما كان فيه مع قرابته القريبة من شدة العناد، والاجتهادج العظيم في كل ما يضاد أشرف العباد واشتد التشوف إلى اتقلاب حاله إذا ذاك هل يكون بما ختمت به النصر من التوبة أو بخذلانه وانقلابه بأعظم الخيبة والحوبة ؟ فجاءت سورته لذلك بينا لأنه غلب عليه الشقاء فنزل به في دركاته مانعا من معالي درج الارتقاء، فلما بين سبحان بذلك إهلاكه عدوه ( ﷺ )، وختم بأعدى أعدائه فحكم بهلاكه، وهلاك زوجه هلاكا لا جبر له على وجه مبين أنه في أدنى دركات الحقارة، وأعظم أنواع الخسارة، فرقص الفكر طربا من هذه الأمور، وسكر اللب من عجائب المقدور، واهتز السامع غاية الاهتزاز إلى وصف الفاعل لذلك الذي هو خارج عن طوق البشر، وخارق للعوائد، وهو إظهار شخص واحد على الناس كافة مع شدة عداوتهم له، جاءت الإخلاص كاشفة لما ثبت من العظمة لولي النبي ( ﷺ ) سبحانه وتعالى الذي أمره بهذا الدين وفعل له هذه الأمور - العظيمة