ولما تم البيان لهويته سبحانه وتعالى على هذا الوجه الذي أنهاه بالأحدية المعلمة بالتنزه عن القسمة والنظير، وكان بيان القرآن بالغاً أقصى نهايات البيان، وكان الأحد من النعوت المتوغلة في السلب، وكانت الشركة تقع في التعبير به في النفي وهو بمعناه الحقيقي وتقع فيه بالإثبات والسلب على حد سواء، أو دلالته على الكمال والإضافة أكمل، وبناه على الاسم الأعظم الذي هو آخر الأسماء الظاهرة وأول الأسماء الباطنة، ولم يقع فيه شركة بوجه دفعاً لكل تعنت، وإشعاراً بأن لم يسم به لم يستحق الألوهية، وأخلى الجملة عن عاطف لأنها كالنتيجة للأولى والدليل عليها، فقال مكاشفاً لنفوس المؤمنين وللعلماء معيداً الاسم ولم يضمر لئلا يظن تقيد بحيثية غيب أو غيرها :﴿الله﴾ أي الذي ثبتت إلهيته وأحديته، لا غيره ﴿الصمد﴾ الذي تناهى سؤدده المطلق في كل شيء إلى حد تنقطع دونه الآمال، فكان بحيث لا يحتاج إلى شيء وكل شيء إليه محتاج، وتنزه عن الجوفية فلم تدن من جنابه بفعل ولا قوة لأنه تنزه عن القسمة بكل اعتبار مع العظمة التي لا يشببها عظمة، فكان واحداً بكل اعتبار، وذلك هو مفهوم الأحدية عبارة وإشارة، فكان مصموداً إليه في الحوائج أي مقصوداً لأجلها، فهو الموصوف بهذا الاسم على الإطلاق، وبكل اعتبار، فكان موجداً للعالم لأن العالم مركب بدليل المشاهدة فكان ممكناً فكان محدثه واجباً قديماً، نفياً للدور والتسلسل المحالين، وخلقه له بالقدرة والاختيار لأنه لو كان بالطبع والإيجاب لكان وجوده مع وجوده لأن العلة لا تنفك عن المعلول، فيلزم من قدم البارىء عز وجل قدم العالم، ومن حدوث العالم حدوث البارىء جل وعز، وذلك جمع بين النقيضين وهو محال، وقصر الصمدية عليه لأن اشتداد الألف لحاجة الشيء إلى غيره ربما كان موجباً لخفاء اختصاصه به، ولم يقصر الأحدية إما للتنبيه على أن ذلك لشدة ظهوره غني عن التأكيد، وإما استئلافاً لهم لئلا ينفروا