وبين المعنيين كليهما بعدم صحة التوليد منه وله وعدم المساوي، فمن أول السورة إلى آخر الأسماء في بيان حقيقته سبحانه وتعالى ولوازمها الأقرب فالأقرب ووحدتها بكل اعتبار، ومن ثم إلى آخرها في بيان أن لا مساوي له لأنه لا جنس له ولا نوع حتى يكون هو متولداً عن شيء أو يكون متولداً عنه شيء، أو يكون شيء موازياً له في الوجود، وبهذا القدر حصل تمام معرفة ذاته، وأنه لا يساويه شيء في قوة وجوده فلا يساويه في تمام أفعاله بدلالة شاهد الوجود الذي كشف عنه والشهود بنصر نبيه ـ ﷺ ـ الذي كان يدعو أبا لهب وجميع الكافرين الشانئين وحده وهم ملء الأرض ويخبرهم مع تحاملهم كلهم عليه أنهم مغلوبون، وأنه أتاهم بالذبح لأن لمن أرسله الإحاطة الكاملة بجميع الكمال، وقد كان الأمر كما قال ـ ﷺ ـ، فقد صدقت مقالاته، فثبتت إلى الخلق كافة رسالاته، وثبت مضمون جميع السورة بما ثبت من هذه الأدلة المشهورة، والبراهين القاطعة المنصورة، وقد ثبت أنه صمد بما دل على أحد معنييه الذي هو انتفاء الجوفية بعدم التولد، وعلى المعنى الآخر الذي هو بلوغ المنتهى من السيادة بعدم المكافىء فبان أنه هو لذاته فلا إله غيره، فانطبق آخرها على أولها، والتحم أيّ التحام مفصلها بموصلها، فعلم أنه هو هو لا غيره بزيادة أنه الأحد ولا أحد حقاً غيره، ومن تحقق آخرها أقبل بكليته إليه سبحانه، فلم يلتفت إلى غيره لأن الكل في قبضته، وقد نقلت في كتابي مصاعد النظر عن الإحياء للإمام الغزالي رحمة الله تعالى عليه في شيء من أسرار هذه السورة كلاماً هو في غاية النفاسة.
وروى الترمذي عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أن المشركين قالوا : يا محمد انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى : قل هو الله أحد إلى آخرها، قال : لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث، ولم يكن له كفواً أحد - انتهى.