﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] فإنه ترجمة أول هذه السورة التالية للنصر والكافرون سواء بالضمير والاسم الأعظم والتوحيد الأعظم المقرون بدليل وهو القيومية، فقد بين آخر السورة الذي هو نتيجتها ورد مقطعها على مطلعها أنه أحد حاضر في كل زمن لا يغيب أصلاً، ولا أحد يكافئه أو يشابهه، لأنه لم يتولد عنه شيء ولا تولد هو عن شيء، لأنه صمد لا جوف له مطلقاً لا في ذاته بالفعل، ولا بحيث يجوّزه الوهم لأنه أحد محيط بكل شيء لأنه هو الله المحيط بجميع صفات الكمال والجمال، وهو غيب محض لأنه لا يقوى غيره على معرفته إلا باللوازم من الصفات المعقولة تقريباً، والأفعال المشاهدة آثارها، وهو هو الذي هو - مع كونه غيب الغيب - مستحضر في كل لب، لا يظهر بغيب عن أحد بما له من الآثار، التي ملأت الأقطار، ولذلك استحق التسمية ب " هو " ولم يستحقها غيره لحضوره لكل قلب وغيبة غيره بكل اعتبار، لأنه ليس للغير من ذاته إلا الغيبة بالعدم، وأما هو فهو الواجب وجوده، وهو الذي أوجد غيره، وركز في كل قطرة ذكره، لما له سبحانه من الكمال، ولغيره من شدة الحاجة إليه والاحتلال، فكان سبوحاً قدوساً جامعاً بين الوصفين لأنه ممدوح بالفضائل والمحاسن، التقديس مضمر في صريح التسبيح، والتسبيح مضمر في صريح التقديس، وقد جمع الله سبحانه وتعالى بينهما في هذه السورة بالأسماء التي جلاها أولها، فهو صريح التقديس، ومن ثم إلى آخرها صريح التسبيح، والأمران راجعان إلى إفراده وتوحيده ونفي التشريك والتشبيه عنه، وذلك هو الجمع بين الإثبات والنفي على تهييج ما وقع في كلمة الإخلاص ليعلم أن الإثبات لا يكمل إلا بصيانته عن كل ما يتضمن مخالفته، لكن كلمة الإخلاص تركبت من نفي ثم إثبات، وسورة الإخلاص من إثبات ثم نفي، فأولها إثبات وآخرها نفي، وآخر الإثبات الصمد، فهو جامع بين الأمرين فإنه جمع كل صفة لا يتم الخلق إلا بها " لأن