الفصل الرابع : في فضائل هذه السورة وهي من وجوه الأول : اشتهر في الأحاديث أن قراءة هذه السورة تعدل قراءة ثلث القرآن، ولعل الغرض منه أن المقصود الأشرف من جميع الشرائع والعبادات، معرفة ذات الله ومعرفة صفاته ومعرفة أفعاله، وهذه السورة مشتملة على معرفة الذات، فكانت هذه السورة معادلة لثلث القرآن، وأما سورة :﴿قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون﴾ فهي معادلة لربع القرآن، لأن المقصود من القرآن إما الفعل وإما الترك وكل واحد منهما فهو إما في أفعال القلوب وإما في أفعال الجوارح فالأقسام أربعة، وسورة :﴿قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون﴾ لبيان ما ينبغي تركه من أفعال القلوب، فكانت في الحقيقة مشتملة على ربع القرآن، ومن هذا السبب اشتركت السورتان أعني :﴿قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون﴾، و :﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ في بعض الأسامي فهما المقشقشتان والمبرئتان، من حيث إن كل واحدة منهما تفيد براءة القلب عما سوى الله تعالى، إلا أن :﴿قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون﴾ يفيد بلفظه البراءة عما سوى الله وملازمة الاشتغال بالله و :﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ يفيد بلفظه الاشتغال بالله وملازمة الإعراض عن غير الله أو من حيث إن :﴿قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون﴾ تفيد براءة القلب عن سائر المعبودين سوى الله، و :﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ تفيد براءة المعبود عن كل مالا يليق به الوجه الثاني : وهو أن ليلة القدر لكونها صدقاً للقرآن كانت خيراً من ألف شهر فالقرآن كله صدف والدر هو قوله :﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ فلا جرم حصلت لها هذه الفضيلة الوجه الثالث : وهو أن الدليل العقلي دل على أن أعظم درجات العبد أن يكون قلبه مستنيراً بنور جلال الله وكبريائه، وذلك لا يحصل إلا من هذه السورة، فكانت هذه السورة أعظم السور، فإن قيل : فصفات الله أيضاً مذكورة في سائر السور، قلنا : لكن هذه السورة لها خاصية وهي أنها لصغرها في الصورة تبقى محفوظة في القلوب معلومة