وقال الزهري :﴿ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ الشمس إذا غربت. وعن عطية وقتادة : إذا وقب الليل : إذا ذهب. وقال أبو المهزم، عن أبي هريرة :﴿ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ كوكب. وقال ابن زيد : كانت العرب تقول : الغاسق سقوط الثريا، وكان الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها.
قال ابن جرير : ولهؤلاء من الأثر ما حدثني : نصر بن علي، حدثني بكار بن عبد الله - ابن أخي همام - حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيرة، عن النبي ﷺ :" ﴿ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ قال : النجم الغاسق" (١).
قلت : وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جرير : وقال آخرون : هو القمر.
قلت : وعمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد :
حدثنا أبو داود الحَفري، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث، عن أبي سلمة قال : قالت عائشة، رضي الله عنها : أخذ رسول الله ﷺ بيدي، فأراني القمر حين يطلع، وقال :"تَعوَّذِي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب".
ورواه الترمذي والنسائي، في كتابي التفسير من سننيهما، من حديث محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن، به (٢).
وقال الترمذي : حسن صحيح. ولفظه :"تعوذي بالله من شر هذا، فإن هذا الغاسق إذا وقب". ولفظ النسائي :"تعوَّذي بالله من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب".
قال أصحاب القول الأول وهو أنه الليل إذا ولج - : هذا لا ينافي قولنا ؛ لأن القمر آيةُ الليل، ولا يوجد له سلطان إلا فيه، وكذلك النجوم لا تضيء، إلا في الليل، فهو يرجع إلى ما قلناه، والله أعلم.
وقوله :﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ قال مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة والضحاك : يعني : السواحر - قال مجاهد : إذا رقين ونفثن في العقد.
(٢) المسند (٦/٦١) وسنن الترمذي برقم (٣٣٦٦) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠١٣٨).