"وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ" السواحر اللاتي يتفثن "فِي الْعُقَدِ ٤" في الخيط الذي يرقين عليه، والنفث النفخ مع قليل من الريق وقيل بلا ريق، وقيل النفث في العقد إبطال العزائم وآراء الرجال بالحيل استعارة من عقد الحبال لأن حب النساء المتغلغل في قلوب الرجال صيرهن يتصرّفن من رأي إلى رأي ومن عزيمة إلى عزيمة فأمر رسول اللّه بالتعوذ من كيدهن ومكرهن.
قال الإمام الفخر : هذا قول حسن لو لا أنه على خلاف رأي أكثر المفسرين "وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ٥" أظهر حسده وعمل بمقتضاه.
مطلب في الحسد والتعاويذ :
والحاسد الذي يتمنى زوال نعمة الغير أو يسعى في زوالها، وهو أول ذنب عصي اللّه فيه في السماء من إبليس، وأول ذنب عصي اللّه فيه في الأرض من قابل وقصتهما ستأتي، الأولى في الآية ١٠ فما بعدها من سورة الأعراف الآتية وهي مكررة في القرآن كثيرا والثانية في الآية ٢١ من سورة المائدة في ج ٣.
واعلم إن دواء المحسود لداء الحاسد هو الصبر لا غير قال :
اصبر على مضض الحسود فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
وهو في الحقيقة اعتراض على اللّه لأن الحاسد يحسد المحسود على ما أولاه ربه من النعم وحرمه منها، أما الغبطة وهي تمني مثل ما عند الآخر مع بقائها عنده فهي جائزة.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال : لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه اللّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ورجل
آتاه اللّه مالا فهو ينفق منه آناء الليل وأطراف النهار.
والحكم الشرعي أنه يجوز النفخ في الرقى والتعاويذ الشرعية المستحبة بدليل حديث عائشة رضي اللّه عنها وعن أبيها قالت : كان النبي صلّى اللّه عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات.
وأما التفل فهو منكر.