ولما كان كل ساحر شريراً بخلاف الغاسق والحاسد، وكان السحر أضر من الغسق والحسد من جهة أنه شر كله، ومن جهة أنه أخفى من غيره، وكان ما هو منه من النساء أعظم لأن مبنى صحته وقوة تأثيره قلة العقل والدين ورداءة الطبع وضعف اليقين وسرعة الاستحالة، وهن أعرق في كل من هذه الصفات وأرسخ، وكان ما وجد منه من جمع وعلى وجه المبالغة أعظم من غيره عرف وبالغ وجمع وأنث ليدخل فيه ما دونه من باب الأولى فقال تعالى :﴿النفّاثات﴾ أي النفوس الساحرة سواء كانت نفوس الرجال أو نفوس النساء أي التي تبالغ في النفث وهو التفل وهو النفخ مع بعض الريق - هكذا في الكشاف، وقال صاحب القاموس : وهو كانفخ وأقل من التفل، وقال : تفل : بزق، وفي التفسير عن الزجاج أنه التفل بلا ريق، ﴿في العقد﴾ أي تعقدها للسحر في الخيوط وما أشبهها، وسبب نزول ذلك أن يهودياً سحر النبي ـ ﷺ ـ فمرض كما ياتي تخريجه، فإن السحر يؤثر بإذن الله تعالى المرض ويصل إلى أن يقتل، فإذا أقر الساحر أنه قتل بسحره وهو مما يقتل غالباً قتل بذلك عند الشافعي، ولا ينافي قوله تعالى :﴿والله يعصمك من الناس﴾ [ المائدة : ٦٧ ] كما مضى بيانه في المائدة، ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في وصفه ـ ﷺ ـ بأنه مسحور، فإنهم ما أرادوا إلا الجنون أو ما يشبهه من فساد العقل واختلاله، والمبالغة في أن كل ما يقوله لا حقيقه له كما أن ما ينشأ عن المسحور يكون مختلطاً لا تعرف حقيقته.
ولما كان أعظم حامل على السحر وغيره من أذى الناس الحسد، وهو تمني زوال نعمة المحسود :
وداريت كل الناس إلا لحاسد...
مداراته عزت وشق نوالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمة...
إذا كان لا يرضيه إلا زوالها