والتربية، إشارة لا إلى حال الحدوث بل إلى حال البقاء، فكأنه يقول : إنك لست محتاجاً إلى حال الحدوث فقط بل في حال الحدوث وحال البقاء معاً في الذات وفي جميع الصفات، فقوله :﴿بِرَبّ الفلق﴾ يدل على احتياج كل ما عداه إليه حالتي الحدوث والبقاء في الماهية والوجود بحسب الذوات والصفات وسر التوحيد لا يصفو عن شوائب الشرك إلا عند مشاهدة هذه المعاني، وثالثها : أن التصوير والتكوين في الظلمة أصعب منه في النور، فكأنه يقول : أنا الذي أفعل ما أفعله قبل طلوع الأنوار وظهور الأضواء ومثل ذلك مما لا يتأتى إلا بالعلم التام والحكمة البالغة وإليه الإشارة بقوله :
﴿هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء لا إله إِلاَّ هُوَ العزيز الحكيم﴾ [ آل عمران : ٦ ].
القول الثالث : أنه واد في جهنم أوجب فيها من قولهم لما اطمأن من الأرض الفلق والجمع فلقان، وعن بعض الصحابة أنه قدم الشام فرآى دور أهل الذمة وما هم فيه من خصب العيش فقال لا أبالي، أليس من ورائهم الفلق، فقيل : وما الفلق ؟ قال : بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، وإنما خصه بالذكر ههنا لأنه هو القادر على مثل هذا التعذيب العظيم الخارج عن حد أوهام الخلق، ثم قد ثبت أن رحمته أعظم وأكمل وأتم من عذابه، فكأنه يقول : يا صاحب العذاب الشديد أعوذ برحمتك التي هي أعظم وأكمل وأتم وأسبق وأقدم من عذابك.
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon