ومن العجيب أيضاً من يأخذ في تفضيل بعض المذاهب على بعض تفضيلاً يؤدي إلى تنقيص المفضل عليه وسقوطه، وربما أدى إلى الخصام بين السفهاء، وصارت عصبة وحمية الجاهلية، والعلماء منزهون عن ذلك وقد وقع الاختلاف في الفروع بين الصحابة ٠ رضي الله تعالى عنهم ٠ وهم خير الأمة، فما خاصم أحدٌ منهم أحداً، ولا عادى أحد منهم أحداً ولا نسب أحدٌ إلى أحد خطأً ولا قصوراً، والسر الذي أشرت إليه قد استنبطته من حديث :" إن اختلاف هذه الأمة رحمة لها وكان اختلاف الأمم السابقة عذاباً وهلاكاً " فعرف بذلك أن اختلاف المذاهب في هذه الملة خصيصة فاضلة لهذه الأمة، وتوسيعٌ في هذه الشريعة السمحة السهلة، فكان الأنبياء - صلوات الله عليهم - يُبعث أحدهم بشرع واحد وحكم واحد، حتى أنه من ضيق شريعتهم لم يكن فيها تخيير في كثير من الفروع التي شرع فيها التخيير في شريعتنا، كتحريم عدم القصاص في شريعة اليهود، وتحتم الدية في شريعة النصارى، وهذه الشريعة وقع فيها التخيير بين أمرين : شرع كل منهما في ملة كالقصاص والدية، فكأنها جمعت بين الشرعين معاً، وزادت حسناً بشرع ثالث وهو التخيير، ومن ذلك مشروعية الاختلاف في الفروع، فكانت المذاهب على اختلافها كشرائع متعددة كل مأمور به في هذه الشريعة، فصارت هذه الشريعة كأنها عدّة شرائع بعث النبي - ﷺ - بجميعها، انتهى كلامه مختصراً.
روي أن أبا يوسف رحمه الله تعالى : أنه صلى يوم الجمعة مغتسلاً من الحمام بالناس، وتفرقوا، ثم أخبر بوجود فأرة ميتة في بئر الحمام، فقال : إذن نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة المنورة :" إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً ". انتهى.
وروي أن الشافعي رضي الله عنه ترك القنوت في الصبح لما صلى مع جماعة الحنفية في مسجد إمامهم بضواحي بغداد فقال كثير من الناس : فعل ذلك أدبا مع الإمام. أ هـ ﴿خلاصة التحقيق في بيان حكم التقليد والتلفيق للشيخ عبد الغنى النابلسى صـ ٢ ـ ٧ ـ بتصرف يسير﴾