﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً﴾ [ الكهف : ٢٨ ] وكما رجع مقطعها على مطلعها كذلك كان من المناسبات العظيمة مناسبة معناها للفاتحة ليرجع مقطع القرآن على مطلعه، ويلتحم مبدؤه بمرجعه على أحسن وجه، كما تقدم بيان ذلك من سورة قريش إلى هنا سورة سورة، فنظر هذه السورة إلى الفاتحة والتحامها بها من جهة أن الفاتحة اشتملت على ثلاثة أسماء : الله والرب والملك، وزادت بكونها أم القرآن بالرحمن الرحيم، لاشتمالهما على جميع النعم الظاهرة والباطنة التي تضمنتها صفة الربوبية، وسورة الناس على الرب والملك والإله الذي هو الأصل في اسم الجلالة، واختصت الفاتحة بالاسم الذي لم يقع فيه شركة أصلاً، فلما تقرر في جميع القرآن أنه الإله الحق، وأنه لا شركة لغيره في الإلهية يحق بوجه من الوجوه كما أنه لا شركة في الاسم الأعظم الذي افتتح به القرآن أصلاً بحق ولا بباطل، ختم القرآن الكريم به معبراً عنه بالإله لوضوح الأمر وانتفاء اللبس بالكلية، وصار الاختتام مما كان به الافتتاح على الوجه الأجلى والترتيب الأولي، وبقي الاسمان الآخران على نظمهما، فيصير النظم إذا ألصقت آخر الناس بأول الفاتحة " إله ملك رب الله رب - رحمن رحيم ملك " إعلاماً بأن مسمى الأسم الأعظم هو الإله الحق، وهو الملك الأعظم لأنه له الإبداع وحسن التربية والرحمة والعامة والخاصة، وحاصل سورة الناس الاستعاذة بهذا الرب الموصوف من وسوسة الصدر المثمرة للمراقبة كما أن حاصل سورة الفاتحة فراغ السر من الشواغل المقتضي لقصر الهمم عليه سبحانه وتعالى والبقاء في حضرته الشماء بقصر البقاء عليه والحكم بالفناء على ما سواه، وذلك هو أعلى درجات المراقبة، فإذا أراد الحق إعانة عبد حمله على الاستعانة بالاستعاذة فيسر عليه صدق التوكل، فحينئذ