﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ [ الحجر : ٩٩ ] ومن نقص من الأعمال شيئاً اعتماداً على أنه وصل فقد تزندق، وكان مثله مثل شخص في بيت مظلم أسرج فيه سراجاً فأضاء، فقال : ما أوقدت السراج إلا ليضيء البيت فقد أضاء، فلا حاجة لي الآن إلى السراج، فأطفأه فعاد الظلام كما كان، وقد ندب النبي ـ ﷺ ـ إلى افتتاح القرآن بعد ختمه كما أشار إليه اتصال المعنى بما بينته، وسمي ذلك الحال المرتحل، وكأن القارىء ذكر بالأمر بالاستعاذة إرادة افتتاح قراءته، فكأنه قيل : استعذ يا من ختم القرآن العظيم لتفتتحه، وكأنه لما استعاذ بما أمر به في هذه السورة قيل له : ثم ماذا تفعل؟ فقال : أفتتح، أو أنه لما أمر بالاستعاذة قال : ماذا أفعل؟ فقيل : افتتح بسم الله الرحمن الرحيم الذي تجب مراقبته عند خواتم الأمور وفواتحها، لأنه لا يكون أمر إلا به، أو أن البسملة مقول القول في ﴿قل﴾ على سبيل من ﴿أعوذ﴾ أو بدل من ﴿برب الناس﴾ وكأنه أمر بالتعوذ، والتسمية أمر بالدفع والجلب، وذلك لأنه لما أمر بهذا التعوذ - وكان قد قال سبحانه ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم﴾ [ النحل : ٩٨ ] علم أن المراد ابتداؤه بالقرآن فنسبتها إلى الفاتحة نسبة المعلول إلى علته، فكأنه قيل : استعذ بهذا الرب الأعظم الذي لا ملك ولا إله غيره لأن له الحمد، وهو الإحاطة بكل شيء، فهو القادر على كل شيء، فهو القاهر لكل شيء في المعاد وهو الملجأ والمفزع لا إله إلا هو، فإن الاسم هو الوصف والمراد به الجنس، فمعنى بسم الله أي بوصفه أو بأوصافه الحسنى، والحمد هو الثناء بالوصف الجميل، فكأنه قيل : أعوذ برب الناس بأوصافه الحسنى لأن له الحمد وهو جميع الأوصاف الحسنى فإن البدء فيه يحتاج إلى قدرة، فله القدرة التامة، أو إلى علم فالعلم صفته، أو كرم فكذلك، والحاصل أنه كأنه قيل : تعوذ به من الشيطان بما له من الاسم الذي لم يسامه فيه أحد


الصفحة التالية
Icon