لا يجوز ههنا مالك الناس ويجوز :﴿مالك يَوْمِ الدين﴾ في سورة الفاتحة، والفرق أن قوله :﴿رَبّ الناس﴾ أفاد كونه مالكاً لهم فلا بد وأن يكون المذكور عقيبه هذا الملك ليفيد أنه مالك ومع كونه مالكاً فهو ملك، فإن قيل : أليس قال في سورة الفاتحة :﴿رَبّ العالمين﴾ ثم قال :﴿مالك يَوْمِ الدين﴾ فليزم وقوع التكرار هناك ؟ قلنا اللفظ دل على أنه رب العالمين، وهي الأشياء الموجودة في الحال، وعلى أنه مالك ليوم الدين أي قادر عليه فهناك الرب مضاف إلى شيء والمالك إلى شيء آخر فلم يلزم التكرير، وأما ههنا لو ذكر المالك لكان الرب والمالك مضافين إلى شيء واحد، فيلزم منه التكرير فظهر الفرق، وأيضاً فجواز القراءات يتبع النزول لا القياس، وقد قرىء مالك لكن في الشواذ.
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤)
قوله تعالى :﴿مِن شَرّ الوسواس الخناس﴾ الوسواس اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فوسواس بالكسر كزلزال والمراد به الشيطان سمي بالمصدر، كأنه وسوسة في نفسه لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه، نظيره قوله :﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح﴾ [ هود : ٤٦ ] والمراد ذو الوسواس وتحقيق الكلام في الوسوسة قد تقدم في قوله :﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان﴾ [ الأعراف : ٢٠ ] وأما الخناس فهو الذي عادته أن يخنس منسوب إلى الخنوس وهو التأخر كالعواج والنفاثات، عن سعيد بن جبير إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى، فإذا غفل وسوس إليه.
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥)
قوله تعالى :﴿الذى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ الناس ﴾.
اعلم أن قوله :﴿الذى يُوَسْوِسُ﴾ يجوز في محله الحركات الثلاث فالجر على الصفة والرفع والنصب على الشتم، ويحسن أن يقف القارىء على الخناس ويبتدىء الذي يوسوس، على أحد هذين الوجهين.
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)
أما قوله تعالى :﴿مِنَ الجنة والناس﴾ ففيه وجوه :