وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس ﴾
أي مالكهم ومُصْلِح أمورِهم.
وإنما ذكر أنه رب الناس، وإن كان رباً لجميع الخلق لأمرين : أحدهما : لأن الناس مُعَظَّمون ؛ فأعْلَم بذكرهم أنه ربُّ لهم وإن عظموا.
الثاني : لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم ؛ فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم.
وإنما قال :﴿ مَلِكِ الناس * إله الناس ﴾ لأن في الناس ملوكاً يذكر أنه مَلِكُهُم، وفي الناس من يعبد غيره، فذكر أنه إلههم ومعبودهم، وأنه الذي يجب أن يُستعاذ به، ويُلْجأ إليه، دون الملوك والعظماء.
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤)
يعني : مِن شر الشيطان.
والمعنى : من شر ذي الوسواس ؛ فحذف المضاف ؛ قاله الفرّاء : وهو ( بفتح الواو ) بمعنى الاسم ؛ أي المُوسوِس.
و( بكسر الواو ) المصدر ؛ يعني الوسوسة.
وكذا الزَّلزال والزِّلزال.
والوسوسة : حديث النفس.
يقال : وسوست إليه نفسه وَسْوسة ووِسوسَة ( بكسر الواو ).
ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحُلِيّ : وسْواس.
قال ذو الرمة :
فباتَ يُشْئِزه ثَأدٌ ويُسْهِرُهُ...
تَذَؤُّبُ الريحِ والوَسْواسُ والْهِضَبُ
وقال الأعشى :
تسمع للحلَى وسَوْاساً إذا انصرفت...
كما استعانَ بريحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ
وقيل : إن الوسواس الخناس ابن لإبليس، جاء به إلى حواء، ووضعه بين يديها وقال : اكْفُلِيه.
فجاء آدم عليه السلام فقال : ما هذا يا حواء! قالت : جاء عدونا بهذا وقال لي : اكْفُليه.
فقال : ألم أقل لكِ لا تطيعيه في شيء، هو الذي غرنا حتى وقعنا في المعصية؟ وعمد إلى الولد فقطعه أربعة أرباع، وعلق كل ربع على شجرة، غيظاً له ؛ فجاء إبليس فقال : يا حواء، أين ابني؟ فأخبرته بما صنع به آدم ( عليه السلام ) فقال : يا خَنَّاس، فحيي فأجابه.


الصفحة التالية
Icon