وثانيها : قوله :﴿وَيُشْهِدُ الله على مَا فِى قَلْبِهِ﴾ وهذا لا دلالة فيه على حالة منكرة، فإن أضمرنا فيه أن يشهد الله على ما في قلبه مع أن قلبه بخلاف ذلك فالكلام مع هذا الإضمار لا يدل على النفاق، لأنه ليس في الآية أن الذي يظهره للرسول من أمر الإسلام والتوحيد، فإنه يضمر خلافه حتى يلزم أن يكون منافقاً، بل لعل المراد أنه يضمر الفساد ويظهر ضده حتى يكون مرائياً
وثالثها : قوله :﴿وَهُوَ أَلَدُّ الخصام﴾ وهذا أيضاً لا يوجب النفاق
ورابعها : قوله :﴿وَإِذْ تولى سعى فِى الأرض لِيُفْسِدَ فِيهَا﴾ والمسلم الذي يكون مفسداً قد يكون كذلك وخامسها : قوله :﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله أَخَذَتْهُ العزة بالإثم﴾ فهذا أيضاً لا يقتضي النفاق، فعلمنا أن كل هذه الصفات المذكورة في الآية كما يمكن ثبوتها في المنافق يمكن ثبوتها في المرائي، فإذن ليس في الآية دلالة على أن هذا المذكور يجب أن يكون منافقاً إلا أن المنافق داخل في الآية، وذلك لأن كل منافق فإنه يكون موصوفاً بهذه الصفات الخمسة بل قد يكون الموصوف بهذه الصفات الخمسة غير منافق فثبت أنا متى حملنا الآية على الموصوف بهذه الصفات الخمسة دخل فيها المنافق والمرائي. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ١٦٩﴾
قال القرطبى :
وقال قتادة ومجاهد وجماعة من العلماء : نزلت في كل مُبْطن كفراً أو نفاقاً أو كذباً أو إضراراً، وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك ؛ فهي عامة، وهي تشبه ما ورد في الترمذيّ أن في بعض كتب الله تعالى : إن من عباد الله قوماً ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمرّ من الصَّبر، يلبسون للناس جلود الضأن من اللِّين، يشترون الدنيا بالدِّين، يقول الله تعالى : أبي يغترّون، وعليّ يجترئون، فبي حلفت لأتيحنّ لهم فتنة تدع الحليم منهم حيران.