قلنا : إن الله تعالى لما بين عداوته لآدم ونسله فلذلك الأمر صح أن يوصف بأنه عدو مبين وإن لم يشاهد ومثاله : من يظهر عداوته لرجل في بلد بعيد فقد يصح أن يقال : إن فلاناً عدو مبين لك وإن لم يشاهده في الحال وعندي فيه وجه آخر، وهو أن الأصل في الإبانة القطع والبيان إنما سمي بياناً لهذا المعنى، فإنه يقطع بعض الاحتمالات عن بعض، فوصف الشيطان بأنه مبين معناه أنه يقطع المكلف بوسوسته عن طاعة الله وثوابه ورضوانه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ١٧٨﴾
سؤال : فإن قيل : كون الشيطان عدواً لنا إما أن يكون بسبب أنه يقصد إيصال الآلام والمكاره إلينا في الحال، أو بسبب أنه بوسوسته يمنعنا عن الدين والثواب، والأول باطل، إذ لو كان كذلك لأوقعنا في الأمراض والآلام والشدائد، ومعلوم أنه ليس كذلك، وإن كان الثاني فهو أيضاً باطل لأن من قبل منه تلك الوسوسة من قبل نفسه كما قال :﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى﴾ {ابراهيم : ٢٢ ] إذا ثبت هذا فكيف يقال : إنه عدو مبين العداوة، والحال ما ذكرناه ؟.
الجواب : أنه عدو من الوجهين معاً أما من حيث إنه يحاول إيصال الضرر إلينا فهو كذلك إلا أن الله تعالى منعه عن ذلك، وليس يلزم من كونه مريداً لإيصال الضرر إلينا أن يكون قادراً عليها وأما من حيث إنه يقدم على الوسوسة فمعلوم أن تزيين المعاصي وإلقاء الشبهات كل ذلك سبب لوقوع الإنسان في الباطل وبه يصير محروماً عن الثواب، فكان ذلك من أعظم جهات العداوة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ١٧٨﴾
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
كلَّف المؤمِنَ بأن يُسالِمَ كل أحدِ إلا نَفْسَه فإنها لا تتحرك إلا بمخالفة سيده ؛ فإن مَنْ سَالَم نَفْسَه فَتَرَ عن مجاهداته، وذلك سبب انقطاع كل قاصد، وموجِبُ فترةِ كل مريد.


الصفحة التالية
Icon