من فوائد الإمام الجصاص فى الآيات السابقة
قال رحمه الله :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فِيهِ تَحْذِيرٌ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِظَاهِرِ الْقَوْلِ وَمَا يُبْدِيهِ مِنْ حَلَاوَةِ الْمَنْطِقِ وَالِاجْتِهَادِ فِي تَأْكِيدِ مَا يُظْهِرُهُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُظْهِرُ بِلِسَانِهِ مَا يُعْجِبُكَ ظَاهِرُهُ ﴿ وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ﴾ وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُنَافِقِينَ، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى :﴿ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ وَقَوْلُهُ :﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾ فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ضَمَائِرَهُمْ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِظَاهِرِ أَقْوَالِهِمْ، وَجَعَلَهُ عِبْرَةً لَنَا فِي أَمْثَالِهِمْ لِئَلَّا نَتَّكِلَ عَلَى ظَاهِرِ أُمُورِ النَّاسِ وَمَا يُبْدُونَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
وَفِيهِ الْأَمْرُ بِالِاحْتِيَاطِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْثَالِهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَالدُّنْيَا، فَلَا نَقْتَصِرُ فِيمَا أُمِرْنَا بِائْتِمَانِ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَالدُّنْيَا عَلَى ظَاهِرِ حَالِ الْإِنْسَانِ دُونَ الْبَحْثِ عَنْهُ.


الصفحة التالية
Icon