ومن فوائد الشيخ الشعراوى فى الآيتين
قال رحمه الله :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (٢٠٨) ﴾
تبدأ الآية بنداء الذين أمنوا بالله وكأنه يقول لهم : يا من أمنتم بي استمعوا لحديثي. فلم يكلف الله من لم يؤمن به وإنما خاطب الذين أحبوه وأمنوا به، وماداموا قد أحبوا الله فلابد أن يتجه كل مؤمن إلى من يحبه ؛ لأن الله لن يعطيه إلا ما يسعده. إذن فالتكليف من الله إسعادً لمن أحب، " يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة"، وكلمة " في" تفيد الظرفية، ومعنى الظرفية أن شيئا يحتوي شيئا، مثال ذلك الكوب الذي يحتوي الماء فنقول :" الماء في الكوب"، وكذلك المسجد يحتوي المصلين فنقول :" المصلون في المسجد". والظرفية تدل على إحاطة الظرف بالمظروف، ومادام الظرف قد أحاط بالمظروف إذن فلا جهة يفلت منها المظروف من الظرف. ولذلك يعطينا الحق سبحانه وتعالى صورة التمكن من مسألة الظرفية عندما يقول :
وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ
(من الآية ٧١ سورة طه)
إن الصلب دائما يكون على شيء، وتشاء الآية الكريمة أن تشرح لنا كيف يمكن أن يكون الصلب متمكنا من المصلوب. فأنت إذا أردت أن تصلب شيئا على شيء فأنت تربطه على المصلوب عليه، فإذا ما بالغت في ربطه كأنك أدخلت المصلوب داخل المصلوب عليه. ومثال ذلك، هات عود كبريت وضعه على إصبعك ثم اربطه بخيط ربطا جيداً، ستلاحظ أن العود قد غاص في جلدك. والحق يقول :" ادخلوا في السلم كافة" والسًلم والسًلمُ والسًلَم هو الإسلام، فالمادة كلها واحدة ؛ لأن السلم ضد الحرب، والإسلام جاء لينهي الحرب بينك وبين الكون الذي تعيش فيه لصالحك ولصالح الكون ولتكون في سلام مع الله وفي سلام مع الكون، وفي سلام مع الناس. وفي سلام مع نفسك.