قال علماؤنا : وفي هذه الآية دليل وتنبيه على الاحتياط فيما يتعلق بأُمور الدِّين والدنيا، واستبراء أحوال الشهود والقضاة، وأن الحاكم لا يعمل على ظاهر أحوال الناس وما يبدو من إيمانهم وصلاحهم حتى يبحث عن باطنهم ؛ لأن الله تعالى بيّن أحوال الناس، وأن منهم من يظهر قولا جميلاً وهو ينوي قبيحا.
فإن قيل : هذا يعارضه قوله عليه السلام :" أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " الحديث، وقوله :" فاقضي له على نحو ما أسمع " فالجواب أن هذا كان في صدر الإسلام، حيث كان إسلامهم سلامتهم، وأما وقد عمّ الفساد فلا ؛ قاله ابن العربي.
قلت : والصحيح أن الظاهر يعمل عليه حتى يتبيّن خلافه ؛ لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صحيح البخاريّ : أيها الناس، إن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ؛ فمن أظهر لنا خيراً أمّناه وقرّبناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نؤمّنه ولم نصدّقه، وإن قال إن سريرته حسنة. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ١٦﴾
لطيفة
الناس على قسمين : قسم زَيّنُوا ظواهرهم وخرَّبوا بواطنهم، وظاهرهم جميل وباطنُهم قبيح، إذا تكلموا في الدنيا أو في الحس، أعجبَك قولهم، وراقك منظرُهم، وإذا تكلموا في الآخرة، أو في المعنى، أخذتهم الحبْسةُ والدهشة.
والقسم الثاني : قوم زَيَّنوا بواطنهم وخربوا ظواهرهم، عمّروا قلوبهم بمحبة الله، وبذلوا أنفسهم في مرضات الله، قلوبهم في أعلى عليين، وأشباحهم في أسفل سافلين، فأولئك المقربون مع النبيين والمرسلين. قال بعض العارفين : كلما وضعت نفسك أرضاً أرضاً، سما قلبك سماء سماء، وكل ما نقص من حسك زاد في معناك. وفي الحديث :" مَن تواضعَ دُون قَدْره رَفَعهُ الله فوقَ قَدْره " وبالله التوفيق. أ هـ ﴿البحر المديد حـ ١ صـ ٢٣٤﴾


الصفحة التالية
Icon