والاستفهام إنكاري لا محالة بدليل الاستثناء، فالكلام خبر في صورة الاستفهام. والنظر : الانتظار والترقب يقال نظره بمعنى ترقبه، لأن الذي يترقب أحداً يوجه نظره إلى صوبه ليرى شبحه عندما يبدو، وليس المراد هنا نفي النظر البصري أي لا ينظرون بأبصارهم في الآخرة إلاّ إتيان أمر الله والملائكة، لأن الواقع أن الأبصار تنظر غير ذلك، إلاّ أن يراد أن رؤيتهم غير ذلك كالعدم لشدة هول إتيان أمر الله، فيكون قصراً ادعائياً، أو تسلب أبصارهم من النظر لغير ذلك.
وهذا المركب ليس مستعملاً فيما وضع له من الإنكار بل مستعملاً إما في التهديد والوعيد وهو الظاهر الجاري على غالب الوجوه المتقدمة في الضمير، وإما في الوعد إن كان الضمير لمن يشري نفسه، وإما في القدر المشترك وهو العدة بظهور الجزاء إن كان الضمير راجعاً للفريقين، وإما في التهكم إن كان المقصود من الضمير المنافقين اليهود أو المشركين، فأما اليهود فإنهم كانوا يقولون لموسى ﴿لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة﴾ ﴿البقرة : ٥٥ ]. ويجوز على هذا أن يكون خبراً عن اليهود : أي إنهم لا يؤمنون ويدخلون في السلم حتى يروا الله تعالى في ظلل من الغمام على نحو قوله تعالى :{ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك﴾ ﴿البقرة : ١٤٥ ].
وأما المشركون فإنهم قد حكى الله عنهم :{وقالوا نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً إلى قوله أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً﴾ ﴿الإسراء : ٩٠، ٩٢ ]. أ هـ {التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٢٨٢﴾
قال الآلوسى :