من فسر الفساد بالتخريب قال : إنه تعالى ذكره أولاً على سبيل الإجمال، وهو قوله :﴿لِيُفْسِدَ فِيهَا﴾ ثم ذكره ثانياً على سبيل التفصيل فقال :﴿وَيُهْلِكَ الحرث والنسل﴾ ومن فسر الإفساد بإلقاء الشبهة قال : كما أن الدين الحق أمر أن أولهما العلم، وثانيهما العمل، فكذا الدين الباطل أمران أولهما الشهبات، وثانيهما فعل المنكرات، فههنا ذكر تعالى أولاً من ذلك الإنسان اشتغاله بالشبهات، وهو المراد بقوله :﴿لِيُفْسِدَ فِيهَا﴾ ثم ذكر ثانياً إقدامه على المنكرات، وهو المراد بقوله :﴿وَيُهْلِكَ الحرث والنسل﴾ ولا شك في أن هذا التفسير أولى ثم من قال سبب نزول الآية أن الأخنس مر بزرع للمسلمين فأحرق الزرع وقتل الحمر قال : المراد بالحرث الزرع، وبالنسل تلك الحمر، والحرث هو ما يكون منه الزرع، قال تعالى :﴿أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أأنتم تَزْرَعُونَهُ﴾ ﴿الواقعة : ٦٣ ] وهو يقع على كل ما يحرث ويرزع من أصناف النبات، وقيل : إن الحرث هو شق الأرض، ويقال لما يشق به : محرث، وأما النسل فهو على هذا التفسير نسل الدواب، والنسل في اللغة : الولد، واشتقاقه يحتمل أن يكون من قولهم : نسل ينسله إذا خرج فسقط، ومنه نسل ريش الطائر، ووبر البعير، وشعر الحمار، إذا خرج فسقط، والقطعة منها إذا سقطت نسالة، ومنه قوله تعالى :{إلى رَبّهِمْ يَنسِلُونَ﴾ ﴿يس : ٥١ ] أي يسرعون، لأنه أسرع الخروج بحدة، والنسل الولد لخروجه من ظهر الأب وبطن الأم وسقوطه، والناس نسل آدم، وأصل الحرف من النسول وهو الخروج، وأما من قال : إن سبب نزول الآية : أن الأخنس بيت على قوم ثقيف وقتل منهم جمعاً، فالمراد بالحرث : إما النسوان لقوله تعالى :{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ {البقرة : ٢٢٣ ] أو الرجال وهو قول قوم من المفسرين الذين فسروا الحرث بشق الأرض، إذ الرجال هم الذين يشقون أرض التوليد، وأما النسل فالمراد منه الصبيان