واعلم أن هذا التفسير ضعيف، لأن قوله :﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله أَخَذَتْهُ العزة﴾ ليس فيه دلالة إلا على أنه متى قيل له هذا القول أخذته العزة، فأما أن هذا القول قيل أو ما قيل فليس في الآية دلالة عليه فإن ثبت ذلك برواية وجب المصير إليه وإن كنا نعلم أنه عليه السلام كان يدعوا الكل إلى التقوى من غير تخصيص.
المسألة الثانية : أنه تعالى حكى عن هذا المنافق جملة من الأفعال المذمومة أولها : اشتغاله بالكلام الحسن في طلب الدنيا وثانيها : استشهاده بالله كذباً وبهتاناً وثالثها : لجاجه في إبطال الحق وإثبات الباطل ورابعها : سعيه في الفساد وخامسها : سعيه في إهلاك الحرث والنسل وكل ذلك فعل منكر قبيح وظاهر قوله :﴿إِذَا قِيلَ لَه اتق الله﴾ فليس بأن ينصرف إلى بعض هذه الأمور أولى من بعض، فوجب أن يحمل على الكل فكأنه قيل : اتق الله في إهلاك الحرث والنسل وفي السعي بالفساد، وفي اللجاج الباطل، وفي الاستشهاد بالله كذلك، وفي الحرص على طلب الدنيا فإنه ليس رجوع النهي إلى البعض أولى من بعض.
المسألة الثالثة : قوله :﴿أَخَذَتْهُ العزة بالإثم﴾ فيه وجوه أحدها : أن هذا مأخوذ من قولهم أخذت فلاناً بأن يعمل كذا، أي ألزمته ذلك وحكمت به عليه، فتقدير الآية : أخذته العزة بأن يعمل الإثم، وذلك الإثم هو ترك الإلتفات إلى هذا الواعظ وعدم الإصغاء إليه وثانيها :﴿أَخَذَتْهُ العزة﴾ أي لزمته يقال : أخذته الحمى أي لزمته، وأخذه الكبر، أي اعتراه ذلك، فمعنى الآية إذا قيل له اتق الله لزمته العزة الحاصلة بالإثم الذي في قلبه، فإن تلك العزة إنما حصلت بسبب ما في قلبه من الكفر والجهل وعدم النظر في الدلائل، ونظيره قوله تعالى :﴿بَلِ الذين كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ ﴿ص : ٢ ] والباء ههنا في معنى اللام، يقول الرجل : فعلت هذا بسببك ولسببك، وعاقبته بجنايته ولجنايته. أ هـ {مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ١٧٣﴾


الصفحة التالية
Icon