وقيل : من الثاني : أي : وهو أشدُّ ذوي الخصام، وقيل : أريد بالمصدر اسم الفاعل ؛ كما يوصف به في قولهم : رجل عدلٌ وخصمٌ، وقيل :" أَفْعَلُ " هنا ليست للتفضيل، بل هي بمعني لديد الخصام، فهو من باب ضافة الصفة المشبهة، وقال الزمخشريُّ : والخِصَامُ المُخَاصَمَةُ، وإضافةُ الألدِّ بمعنى " في " ؛ كقولهم :" ثَبْتُ الغَدْرِ " يعني أن " أَفْعَلَ " ليس من باب ما أضيف إلى ما هو بعضه، بل هي ضافة على معنى " في " ؛ قال أبو حيان : وهذا مخالفٌ لما يَزْعُمُهُ النحاة من أنَّ " أَفْعَلَ " لا تضاف إلا إلى ما هي بعضه، وفيه إثبات الإضافة بمعنى " في "، وهو قولٌ مرجوحٌ، وقيل :" هُوَ " ليس ضمير " مَنْ " بل ضمير الخصومة يفسِّره سياق الكلام، أي : وخصامه أشدُّ الخصام.
ومعنى :" وَيُشْهِدُ الله "، أي : يقول : اللَّهُ يعلم أَنَّي أقُولُ حَقّاً.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا تولى سعى ﴾ " سَعَى " جوابُ إذا الشَّرطيَّة، وهذه الجُملةُ الشَّرطيةُ تحتملُ وجْهَيْنِ.
أحدهما : أن تكُونَ عطفاً على ما قبلها، وهو " يُعْجِبُكَ "، فتكون : إمَّا صلةً، أو صفةً حسب ما تقدَّم في " مَنْ ".
والثاني : أن تكُون مُستأَنفةً لمُجرَّدِ الإخبارِ بحالِهِن وقد تَمَّ الكلامُ عند قوله :" ألدُّ الخصام ".
والتّولِّي والسَّعْيُ يحْتَمِلان الحقيقة، أي : تولَّى ببدنِهِ عنك وسعَى بِقَدَمَيْهِ، والمُجازَ بأن يريدُ بالتولِّي الرُّجُوع عن القَوْلِ الأَوَّل، وبالسَّعي العمَل والكَسْبَ من السَّعاية، وهو مجازٌ شائعٌ ؛ ومنه :﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى ﴾ [ النجم : ٣٩ ]، وقال امرؤُ القَيسِ :[ الطويل ]
١٠١١ - لَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَةٍ...
كَفَانِي - وَلَمْ أَطْلُبْ - قليلٌ مِنَ المَالِ
وَلكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ وَقَدْ يُدْرِكُ المَجْدَ المُؤَثَّلَ أَمْثَالِي
وقال آخرُ :[ السريع ]


الصفحة التالية
Icon