وفي قوله :" العِزَّةُ بالإِثْم " من عِلْمِ البديع التتميم وهو عبارةٌ عن إِرْداف الكلمةِ بأُخْرى، تَرْفَعُ عنها اللَّبسَ، وتقَرِّبُها مِنَ الفَهْم، وذلك أنَّ العزَّةَ تكونُ محمودةً ومَذمُومةً.
فَمِنْ مَجِيئها محمودةً :﴿ وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ المنافقون : ٨ ] ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين ﴾ [ المائدة : ٥٤ ] فلو أُطلِقَت لَتَوَهَّمَ فيها بعضُ مَنْ لا عنايةَ له المحمُودة ؛ فقيل :" بالإِثْمِ " تَتْمِيماً للمرادِ، فرُفِعَ اللَّبْسُ بها.
و" العِزَّةُ " القوَّةُ والغلبةُ مِنْ : عَزَّهُ يَعُزُّه، إِذا غلبهُ، ومنه ﴿ وَعَزَّنِي فِي الخطاب ﴾ [ ص : ٢٣ ].
وقيل : العزَّةُ هُنا : الحمِيَّة ؛ قال الشَّاعرُ :[ الرَّمل ]
١٠١٦ - أَخَذَتْهُ عِزَّةٌ مِنْ جَهْلِهِ...
فَتَوَلَّى مُغْضَباً فِعْلَ الضَّجِرْ
وقيل : العِزَّةُ هنا : المَنَعةُ وشِدَّةُ النَّفسِ، أي : اعتَزَّ في نفسه، فأَوقعَتْهُ تِلْك العزَّةُ في الإِثمِ، وألزمتْهُ إيَّاه.
قوله :﴿ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ﴾، " حَسْبُهُ " مبتدأٌ، و" جهنَّمُ " خبرُه أي : كافيهم جهنَّمُ، وقيل :" جَهَنَّمُ " فاعلٌ بـ " حَسْبَ "، ثُمَّ اختلف القائِلُ بذلك في " حَسْب " فَقِيل : هو بمعنى اسم الفاعلِ، أي : الكافي، وهو في الأَصْلِ مصدرٌ أُريد به اسمُ الفاعِل، والفاعِلُ - وهو جهنَّمُ - سَدَّ مَسَدَّ الخبر، وقَويَ " حَسْبُ " لاعتمادِهِ على الفاءِ الرابطةِ للجملةِ بما قبلَها، وهذا كلُّه مَعْنَى كلام أبي البقاء.
وقيل : بل " حَسْبُ " اسمُ فِعْلٍ، والقائِلُ بذلك اختلَفَ ؛ فقيل : اسمُ [ فِعْلٍ ] ماضٍ، أي : كَفَاهُمْ وقِيل : فعلُ أمرٍ، أي : لِيَكفِيهم، إلاَّ أن إعرابَه ودخولَ حُرُوفِ الجَرِّ عليه يَمْنع كونه اسم فعل.