الثانية الرياء بأصول العبادات مع التصديق بأصل الدين وهذا أيضا عظيم عند الله ولكنه دون الأول بكثير
ومثاله أن يكون مال الرجل في يد غيره فيأمره بإخراج الزكاة خوفا من ذمه والله يعلم منه أنه لو كان في يده لما أخرجها أو يدخل وقت الصلاة وهو في جمع وعادته ترك الصلاة في الخلوة وكذلك يصوم رمضان وهو يشتهي خلوة من الخلق ليفطر وكذلك يحضر الجمعة ولولا خوف المذمة لكان لا يحضرها أو يصل رحمه أو يبر والديه لا عن رغبة ولكن خوفا من الناس أو يغزو أو يحج كذلك
فهذا مراء معه أصل الإيمان بالله يعتقد أنه لا معبود سواه ولو كلف أن يعبد غير الله أو يسجد لغيره لم يفعل ولكنه يترك العبادات للكسل وينشط عند إطلاع الناس فتكون منزلته عند الخلق أحب إليه من منزلته عند الخالق وخوفه من مذمة الناس أعظم من خوفه من عقاب الله ورغبته في محمدتهم أشد مرغبته في ثواب الله وهذا غاية الجهل وما أجدر صاحبه بالمقت وإن كان غير منسل عن أصل الإيمان من حيث الاعتقاد الثالثة أن لا يرائي بالإيمان ولا بالفرائض ولكنه يرائي بالنوافل والسنن التي لو تركها لا يعصي ولكنه يكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها ولإيثار لذة الكسل على ما يرجى من الثواب ثم يبعثه الرياء على فعلها وذلك كحضور الجماعة في الصلاة وعيادة المريض واتباع الجنازة وغسل الميت وكالتهجد بالليل وصيام يوم عرفة وعاشوراء ويوم الاثنين والخميس
فقد يفعل المرائي جملة ذلك خوفا من المذمة أو طلبا للمحمدة ويعلم الله تعالى منه أنه لو خلا بنفسه لما زاد على أداء الفرائض
فهذا أيضا عظيم ولكنه دون ما قبله فإن الذي قبله آثر حمد الخلق على حمد الخالق
وهذا أيضا قد فعل ذلك واتقى ذم الخلق دون ذم الخالق فكان ذم الخلق أعظم عنده من عقاب الله وأما هذا فلم يفعل ذلك لأنه لم يخف عقابا على ترك النافلة لو تركها وكأنه على شطر من الأول وعقابه نصف عقابه
فهذا هو الرياء بأصول العبادات


الصفحة التالية
Icon