قال الحرالي : إبراماً لثني الأمر المضاعف ليكون الأمر بشاهدين أقوى منه بشاهد واحد فقد كان في الرسول كفاية وفي الكتاب وحده كفاية لكن الله تعالى ثنى الأمر وجمع الكتاب والرسول لتكون له الحجة البالغة - انتهى. ﴿بالحق﴾ أي الثابت كل ثبات ﴿ليحكم﴾ أي الله بواسطة الكتاب ﴿بين الناس فيما اختلفوا فيه﴾ من الدين الحق الذي كانوا عليه قبل ذلك أمة واحدة فسلكوا بهم بعد جهد السبيل الأقوم ثم ضلوا على علم بعد موت الرسل فاختلفوا في الدين لاختلافهم في الكتاب ﴿وما اختلف فيه﴾ أي الكتاب الهادي للحق الذي لا لبس فيه المنزل لإزالة الاختلاف ﴿إلا الذين﴾ ولما كان العالم يقبح منه مخالفة العلم مطلقاً لا بقيد كونه من معلم مخصوص بني للمفعول ﴿أوتوه﴾ أي فبدلوا نعمة الله بأن أوقعوا الخلاف فيما أنزل لرفع الخلاف، ففي هذا غاية التعجيب وإظهار القدرة الباهرة التي حملتهم على ذلك.
ولما كان الخلاف ربما كان عن أمر غامض بين أن الأمر على غير ذلك فقال مشيراً بإثبات الجار إلى أنه لم يستغرق الزمان ﴿من بعد ما جاءتهم البينات﴾ أي الدلائل العقلية والنقلية التي ثبتت بها النبوة التي ثبت بها الكتاب. قال الحرالي : الجامعة لآيات ما في المحسوس وآيات ما في المسموع، فلذلك كانت البينات مكملة لاجتماع شاهديها - انتهى.
ولما كان هذا محل السؤال عن السبب بين أنه الحسد والاستطالة عدولاً عن الحق محبة لما زين من الدنيا وتنافساً فيها فقال :﴿بغياً﴾ قال الحرالي : والبغي أعمال الحسد بالقول والفعل قال عليه الصلاة والسلام :" ثلاث لا يسلم منهن أحد " ومنهن متحلي الحسد والطيرة والظن، فإذا حسدت فلا تبغ لأن الحسد واقع في النفس كأنها مجبولة عليه فلذلك عذرت فيه ؛ فإذا استعملت بحسبه مقالها وفعالها كانت باغية - انتهى. وزاده عجباً بقوله ﴿بينهم﴾ أي لا بغياً على غيرهم فبدلوا من كل جهة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٣٩٤﴾


الصفحة التالية
Icon