قوله تعالى :﴿كَانَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أي على دين واحد. قال أُبيّ بن كعب، وابن زيد : المراد بالناس بنو آدم حين أخرجهم الله نَسَماً من ظهر آدم فأقرّوا له بالوحدانية. وقال مجاهد : الناس آدم وحده ؛ وسُمِّي الواحد بلفظ الجمع لأنه أصل النَّسْل. وقيل : آدم وحوّاء. وقال ابن عباس وقَتادة : المراد بالناس القرون التي كانت بين آدم ونوح، وهي عشرة كانوا على الحقّ حتى اختلفوا فبعث الله نوحاً فمن بعده. وقال ابن أبي خَيْثَمة : منذ خلق الله آدم عليه السلام إلى أن بعث محمداً ـ ﷺ ـ خمسة آلاف سنة وثمانمائة سنة. وقيل : أكثر من ذلك، وكان بينه وبين نوح ألف سنة ومائتا سنة. وعاش آدم تسعمائة وستين سنة، وكان الناس في زمانه أهل مِلّة واحدة، متمسكين بالدّين، تصافحهم الملائكة، وداموا على ذلك إلى أن رُفع إدريس عليه السلام فاختلفوا. وهذا فيه نظر ؛ لأن إدريس بعد نوح على الصحيح. وقال قوم منهم الكلبيّ والواقديّ : المراد نوح ومن في السفينة ؛ وكانوا مسلمين ثم بعد وفاة نوح اختلفوا. وقال ابن عباس أيضاً : كانوا أُمة واحدة على الكفر ؛ يريد في مدّة نوح حين بعثه الله. وعنه أيضاً : كان الناس على عهد إبراهيم عليه السلام أُمة واحدة، كلهم كفار ؛ ووُلِد إبراهيم في جاهلية، فبعث الله تعالى إبراهيم وغيره من النبيين. ف " كان" على هذه الأقوال على بابها من المُضِيّ المنقضي. وكل مَن قدّر الناس في الآية مؤمنين قدّر في الكلام فاختلفوا فبعث، ودلّ على هذا الحذف :﴿وَمَا اختلف فِيهِ إِلاَّ الذين أُوتُوهُ﴾ أي كان الناس على دين الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين، مبشّرين من أطاع ومنذرين من عصى. وكل مَن قدّرهم كفّاراً كانت بعثة النبيين إليهم. ويحتمل أن تكون " كان" للثبوت، والمراد الإخبار عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم أُمة واحدة في خلوّهم عن الشرائع، وجهلهم بالحقائق، لولا منُّ الله عليهم،