قال ابن عطية كل من قدَّر الناسَ في الآية كانوا مؤمنين قدَّر في الكلام فاختلفوا وكل من قدرهم كفاراً كانت بعثة الرسل إليهم اه. ويؤيد هذا التقدير قوله في آية سورة يونس ( ١٩ ) ﴿وما كان الناس إلا أُمة واحدة فاختلفوا لأن الظاهر اتحاد غرض الآيتين، ولأنه لما أخبر هنا عن الناس بأنهم كانوا أمة واحدة ونحن نرى اختلافهم علمنا أنهم لم يدوموا على تلك الحالة.
والمقصود من الآية على هذا الوجه التنبيه على أن التوحيد والهدى والصلاح هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها حين خلقهم كما دلت عليه آية {ألست بربكم﴾
﴿الأعراف : ١٧٢ ]، وأنها ما غشَّاها إلاّ تلقين الضلال وترويج الباطل وأن الله بعث النبيئين لإصلاح الفطرة إصلاحاً جزئياً فكان هديهم مختلف الأساليب على حسب اختلاف المصالح والأهلية وشدة الشكائم، فكان من الأنبياء الميسر ومنهم المغلظ وأنه بعث محمداً لإكمال ذلك الإصلاح، وإعادة الناس إلى الوحدة على الخير والهدى وذلك معنى قوله :{فهدى الله الذين آمنوا﴾ الخ. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٠١﴾
قوله تعالى :﴿فَبَعَثَ الله النبيين مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿فَبَعَثَ الله النبيين مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ فاعلم أنا ذكرنا أنه لا بد ههنا من الإضمار، والتقدير كان الناس أمة واحدة - فاختلفوا - فبعث الله النبيين واعلم أنه الله تعالى وصف النبيين بصفات ثلاث :
الصفة الأولى : كونهم مبشرين.
الصفة الثانية : كونهم منذرين ونظيره قوله تعالى :﴿رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ {النساء : ١٦٥ ] وإنما قدم البشارة على الإنذار، لأن البشارة تجري مجرى حفظ الصحة، والإنذار يجري مجرى إزالة المرض، ولا شك أن المقصود بالذات هو الأول دون الثاني فلا جرم وجب تقديمه في الذكر.


الصفحة التالية
Icon