وجيء بالموصول دون غيره من المعرفات لما في الصلة من الأمر العجيب وهو أن يكون المختلفون في مقصد الكتاب هم الذين أعطوا الكتاب ليزيلوا به الخلاف بين الناس فأصبحوا هم سبب خلاف فيه، ولا شك أن ذلك يبطل المراد منه.
والمعنى تشنيع حال الذين أوتوه بأن كانوا أسوأ حالاً من المختلفين في الحق قبل مجيء الشرائع، لأن أولئك لهم بعض العذر بخلاف الذين اختلفوا بعد كون الكتاب بأيديهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٠٨﴾
قوله تعالى :﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات﴾ فهو يقتضي أن يكون إيتاء الله تعالى إياهم الكتاب كان بعد مجيء البينات فتكون هذه البينات مغايرة لا محالة لإيتاء الكتاب وهذه البينات لا يمكن حملها على شيء سوى الدلائل العقلية التي نصبها الله تعالى على إثبات الأصول التي لا يمكن القول بالنبوة إلا بعد ثبوتها، وذلك لأن المتكلمين يقولون كل ما لا يصح إثبات النبوة إلا بعد ثبوته، فذلك لا يمكن إثباته بالدلائل السمعية وإلا وقع الدور، بل لا بد من إثباتها بالدلائل العقلية فهذه الدلائل هي البينات المتقدمة على إيتاء الله الكتب إياهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٥﴾
وقال العلامة أبو حيان :
قوله تعالى ﴿وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم﴾ الضمير من قوله : وما اختلف فيه، يعود على ما عاد عليه في : فيه، الأولى، وقد تقدّم أنها عائدة على : ما، وشرح ما المعنى : بما، أهو الدين، أو محمد ـ ﷺ ـ ؟ أم دينه ؟ أم هما ؟ أم كتابه ؟
والضمير في : أوتوه، عائد إذ ذاك على ما عاد عليه الضمير في : فيه، وقيل : الضمير في : فيه، عائد على الكتاب، وأوتوه عائد أيضاً على الكتاب، التقدير : وما اختلف في الكتاب إلاَّ الذين أوتوه، أي : أوتوا الكتاب.