وقوله :﴿فهدى الله الذين آمنوا﴾ هذا العطف يحتمل أن الفاء عاطفة على ﴿اختلف فيه﴾ الذي تضمنته جملة القصر، قال ابن عرفة : عطف بالفاء إشارة إلى سرعة هدايته المؤمنين بعقب الاختلاف اه، يريد أنه تعقيب بحسب ما يناسب سرعة مثله وإلا فهدى المسلمين وقع بعد أزمان مضت، حتى تفاقم اختلاف اليهود واختلاف النصارى، وفيه بعد لا يخفى، فالظاهر عندي أن الفاء فصيحة لما علم من أن المقصود من الكلام السابق التحذير من الوقوع في الاختلاف ضرورة أن القرآن إنما نزل لهدي المسلمين للحق في كل ما اختلف فيه أهل الكتب السالفة فكأنَّ السامعَ ترقب العلم بعاقبة هذا الاختلاف فقيل : دامَ هذا الاختلاف إلى مجيء الإسلام فهدى الله الذين آمنوا إلخ، فقد أفصحت عن كلام مقدر وهو المعطوف عليه المحذوف كقوله تعالى :﴿اضرب بعصاك الحجر فانفجرت﴾ ﴿البقرة : ٦٠ ]. أ هـ {التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣١١﴾
فوائد
قال الفخر :
من الأصحاب من تمسك بهذه الآية على أن الإيمان مخلوق لله تعالى قال : لأن الهداية هي العلم والمعرفة، وقوله :﴿فَهَدَى الله﴾ نص في أن الهداية حصلت بفعل الله تعالى، فدل ذلك على أن الإيمان مخلوق لله تعالى.
واعلم أن هذا الوجه ضعيف لأنا بينا أن الهداية غير، والاهتداء غير، والذي يدل ههنا على أن الهداية لا يمكن أن تكون عبارة عن الإيمان وجهان الأول : أن الهداية إلى الإيمان غير الإيمان كما أن التوفيق للإيمان غير الإيمان والثاني : أنه تعالى قال في آخر الآية :﴿بِإِذْنِهِ﴾ ولا يمكن صرف هذا الإذن إلى قوله :﴿فَهَدَى الله﴾ إذ لا جائز أن يأذن لنفسه فلا بد ههنا من إضمار ليصرف هذا الإذن إليه، والتقدير : فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق فاهتدوا بإذنه، وإذا كان كذلك كانت الهداية مغايرة للاهتداء.