وقيل : يجوز أن ينتصب بفعل مقدَّر يفسِّره الفعل بعدها تقديره : كم آتينا آتيناهم، وإنما قدرنا ناصبها بعدها ؛ لأنَّ الاستفهام له صدر الكلام، ولا يعمل فيه ما قبله، قاله ابن عطيَّة، يعني أنه عنده من باب الاشتغال، قال أبو حيَّان : وهذا غير جائزٍ إنْ كان " مِنْ آيةٍ " تمييزاً ؛ لأن الفعل المفسِّر لم يعمل في ضمير " كَمْ " ولا في سبيها، وإذا لم يكن كذلك، امتنع أن يكون من ابا سببيِّه.
ونظير ما أجازه أن تقول :" زَيْداً ضربْتُ " ويكون من باب الاشتغال، وهذا ما لم يجيزه أحد.
فإن قلنا أنَّ تمييزها محذوف، وأطلقت " كَمْ " على القوم، جاز ذلك ؛ لأنَّ في جملة الاشتغال ضمير الأول ؛ لأنَّ التقدير :" كَمْ مِنْ قَوْم آتيناهُمْ " قال شهاب الدِّين : وهذا الذي قاله الشيخ من كونه لا يتمشَّى على كون " مِنْ آية " تمييزاً قد صرَّح به ابن عطيَّة فإنه قال " وقوله :" مِنْ آيةٍ " هو على التقدير الأول، مفعول ثان لآتيناهم، وعلى الثاني في موضع التمييز " يعني بالأول نصبها على الاشتغال، وبالثاني نصبها بما بعدها.
الوجه الثاني : أن تكون " كَمْ " في محلِّ رفع بالابتداء، والجملة بعدها في محلِّ رفع خبراً لها، والعائد محذوفٌ تقديره : كم آتيناهموها، أو آتيناهم إيَّاها، أجازه ابن عطيَّة وأبو البقاء، واستضعفه أبو حيَّان من حيث إن حذف عائد المبتدأ المنصوب لا يجوز إلاَّ في ضرورةٍ، كقوله :[ السريع ]
١٠٣١ - وَخَالِدٌ يَحْمَدُ سَادَاتُنَا...
بِالْحَقُ لاَ يُحْمَدُ بالْبَاطِلِ
أي : وخالدٌ يحمده.