والثاني : أنها تمييز، ويجوز دخول " مِنْ " على مميِّز " كَمْ " استفهامية كانت أو خبرية مطلقاً، أي : سواء وليها ممِّزها، أم فصل بينهما بجملةٍ، أو ظرفٍ أو جارٍّ ومجرورٍ، على ما قرَّره النحاة، و" كَمْ " وما في حيِّزها في محلِّ نصب أو خفض، لأنها في محل المفعول الثاني للسؤال فإنَّه يتعدَّى لاثنين : إلى الأوَّل بنفسه وإلى الثَّاني بحرف جرٍّ : إمَا عن، وإمَّا الباء ؛ نحو : سألته عن كذا وبكذا ؛ قال تعالى :
﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾ [ الفرقان : ٥٩ ]، وقد جمع بينهما في قوله :[ الطويل ]
١٠٣٢ -...
فَأَصْبَحْنَ لاَ يَسْأَلْنَنِي عَنْ بِمَا بِهِ
........
وقد يحذف حرف الجرِّ، فمن ثمَّ جاز في محلِّ " كَمْ " النصب، والخفض بحسب التقديرين، و" كَمْ " هنامعلقة للسؤال، والسؤال لا يعلَّق إلا بالاستفهام ؛ كهذه الآية، وقوله تعالى :﴿ ﴾ [ القلم : ٤٠ ]، وقوله :[ الطويل ]
١٠٣٣ - يَا أَيُّهَا الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ...
سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ
وقال آخر :[ السبيط ]
١٠٣٤ -......
وَاسْأَلْ بِمَصْقَلَةَ البَكْرِيِّ مَا فَعَلا
وإنما علَّق السؤال، وإن لم يكن من أفعال القلوب ؛ قالوا : لأنه سببٌ للعلم، والعلم يعلَّق، فكذلك سببه، وإذا كانوا قد أجروا نقيضه في التعليق مجراه في قوله :[ الطويل ]
١٠٣٤ - وَمَنْ أَنْتُمُ إِنَّا نَسِينَا مَنَ أَنْتُمُ...
وَرِيحُكُمْ مِنْ أَيِّ رِيحِ الأَعَاصِرِ
فإجراؤهم سببه مجراه أولى.
واختلف النحاة في " كَمْ " : هل بسيطةٌ، أو مركبة من كاف التَّشبيه وما الاستفهامية، حذفت ألفها ؛ لانجرارها، ثم سكنت ميمها، كما سكّنت ميم " لِمْ " من " لِمْ فَعَلْتَ كَذَا " في بعض اللغات، فركِّبتا تركيباً لازماً ؟ والصحيح الأول.
وأكثر ما تجيء في القرآن خبريَّةً مراداً بها التكثير، ولم يأت ممِّزها في القرآن إلا مجروراً بمن.


الصفحة التالية
Icon