الجواب : إنما لم يقل : زينت لوجوه أحدها : وهو قول الفراء : أن الحياة والإحياء واحد، فإن أنث فعلى اللفظ، وإن ذكر فعلى المعنى كقوله :﴿فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رَّبّهِ﴾ ﴿البقرة : ٢٧٥ ]، {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة﴾ ﴿هود : ٦٧ ] وثانيها : وهو قول الزجاج أن تأنيث الحياة ليس بحقيقي، لأنه ليس حيواناً بإزائه ذكر، مثل امرأة ورجل، وناقة وجمل، بل معنى الحياة والعيش والبقاء واحد فكأنه قال : زين للذين كفروا الحياة الدنيا والبقاء وثالثها : وهو قول ابن الأنباري : إنما لم يقل : زينت، لأنه فصل بين زين وبين الحياة الدنيا، بقوله :{لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ وإذا فصل بين فعل المؤنث وبين الاسم بفاصل، حسن تذكير الفعل، لأن الفاصل يغني عن تاء التأنيث.
أهـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٥﴾
سؤال : لم خُص التزيين بهم ؟
الجواب : خُص التزيين بهم، إذ المراد من قوله :﴿زين للذين كفروا﴾ ذمُّهم والتحذير من خلقهم، ولهذا لزم حمل التزيين على تزييين يعد ذماً، فلزم أن يكون المراد منه تزييناً مشوباً بما يجعل تلك الزينة مذمة، وإلاّ فإن أصل تزيين الحياة الدنيا المقتضي للرغبة فيما هو زينُ أمرٍ ليس بمذموم إذا روعى فيه ما أوصى الله برعيه قال تعالى :
﴿ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾ {الأعراف : ٣٢ ].
وقد استقريْتُ مواقع التزيين المذموم فحصرتها في ثلاثة أنواع : الأول ما ليس بزين أصلاً لا ذاتاً ولا صفة، لأن جميعه ذم وأذى ولكنه زين للناس بأوهام وخواطر شيطانية وتخييلات شعرية كالخمر.
الثاني ما هو زين حقيقة لكن له عواقب تجعله ضراً وأذى كالزنا.
الثالث ما هو زين لكنه يحف به ما يصيره ذميماً كنجدة الظالم وقد حضر لي التمثيل لثلاثتها بقول طرفة :
ولولا ثلاثٌ هُنَّ من عيشة الفتى... وجَدِّك لم أَحْفَلْ متى قام عُوَّدِي


الصفحة التالية
Icon