وأقول هذا ضعيف لأن قوله تعالى :﴿زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ يتناول جميع الكفار، فهذا يقتضي أن يكون لجميع الكفار مزين، والمزين لجميع الكفار لا بد وأن يكون مغايراً لهم، إلا أن يقال : إن كل واحد منهم كان يزين للآخر، وحينئذ يصير دوراً فثبت أن الذين يزين الكفر لجميع الكفار لا بد وأن يكون مغايراً لهم، فبطل قوله : إن المزين هم غواة الجن والإنس، وذلك لأن هؤلاء الغواة داخلون في الكفار أيضاً، وقد بينا أن المزين لا بد وأن يكون غيرهم، فثبت أن هذا التأويل ضعيف، وأما قوله : المزين للشيء هو المخبر عن حسنه فهذا ممنوع، بل المزين من يجعل الشيء موصوفاً بالزينة، وهي صفات قائمة بالشيء باعتبارها يكون الشيء مزيناً، وعلى هذا التقدير سقط كلامه، ثم إن سلمنا أن المزين للشيء هو المخبر عن حسنه، فلم لا يجوز أن يقال : الله تعالى أخبر عن حسنه، والمراد أنه تعالى أخبر عما فيها من اللذات والطيبات والراحات، والإخبار عن ذلك ليس بكذب، والتصديق بها ليس بكفر، فسقط كلام أبي علي في هذا الباب بالكلية.
التأويل الثاني : قال أبو مسلم : يحتمل في ﴿زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أنهم زينوا لأنفسهم والعرب يقولون لمن يبعد منهم : أين يذهب بك لا يريدون أن ذاهباً ذهب به وهو معنى قوله تعالى في الآي الكثيرة :﴿أنى يُؤْفَكُونَ﴾ ﴿المائدة : ٧٥، التوبة : ٣٠، المنافقون : ٤ ]، {أنى يُصْرَفُونَ﴾ ﴿غافر : ٦٩ ] إلى غير ذلك، وأكده بقوله تعالى :{ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أموالكم وَلاَ أولادكم عَن ذِكْرِ الله﴾ ﴿المنافقون : ٩ ] فأضاف ذلك إليهما لما كانا كالسبب، ولما كان الشيطان لا يملك أن يحمل الإنسان على الفعل قهراً فالإنسان في الحقيقة هو الذي زين لنفسه، واعلم أن هذا ضعيف، وذلك لأن قوله :{زُيّنَ﴾ يقضي أن مزيناً زينه، والعدول عن الحقيقة إلى المجاز غير ممكن.