وجيء في فعل التزيين بصيغة الماضي وفي فعل السخرية بصيغة المضارع قضاءً لحقْي الدلالة على أن معنيين فعل التزيين أمر مستقر فيهم ؛ لأن الماضي يدل على التحقق، وأن معنى ﴿يسخرون﴾ متكرر متجدد منهم ؛ لأن المضارع يفيد التجدد ويعلم السامع أن ما هو محقق بين الفعلين هو أيضاً مستمر ؛ لأن الشيء الراسخ في النفس لا تفتر عن تكريره، ويعلم أن ما كان مستمراً هو أيضاً محقق ؛ لأن الفعل لا يستمر إلاّ وقد تمكن من نفس فاعله وسكنت إليه، فيكون المعنى في الآية : زُيِّن للذين كفروا وتزين الحياة الدنيا وسخروا ويسخرون من الذين آمنوا، وعلى هذا فإنما اختير لفعل التزيين خصوص المضي ولفعل السخرية خصوص المضارعة إيثاراً لكل من الصفتين بالفعل التي هي به أجدر ؛ لأن التزيين لما كان هو الأسبق في الوجود وهو منشأ السخرية أوثر بما يدل على التحقق، ليدل على ملكةٍ واعتمد في دلالته على الاستمرار بالاستتباع، والسخرية لما كانت مترتبة على التزيين وكان تكررها يزيد في الذم، إذ لا يليق بذي المروءة السخرية بغيره، أوثرت بما يدل على الاستمرار واعتمد في دلالتها على التحقق دلالة الالتزام، لأن الشيء المستمر لا يكون إلاّ متحققاً. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٢٩٦﴾
وقوله : ويسخرون من الذين آمنوا عطف على جملة ﴿زين للذين كفروا﴾ إلخ، وهذه حالة أعجب من التي قبلها وهي حالة التناهي في الغرور ؛ إذ لم يقتصروا على افتتانهم بزهرة الحياة الدنيا حتى سخروا بمن لم ينسج على منوالهم من المؤمنين الذين تركوا كثيراً من زهرة الحياة الدنيا لما هداهم الدين إلى وجوب ترك ذلك في أحوال وأنواع تنطوي على خبائث.