قوله تعالى :﴿وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين آمَنُواْ﴾ إشَارة إلى كفّار قريش، فإنهم كانوا يعظِّمون حالهم من الدنيا ويغتبطون بها، ويسخرون من أتباع محمد ـ ﷺ ـ. قال ابن جُريج : في طلبهم الآخرة. وقيل : لفقرهم وإقلالهم ؛ كبلال وصُهيب وابن مسعود وغيرهم ؛ رضي الله عنهم. فنبّه سبحانه على خفض منزلتهم لقبيح فعلهم بقوله :﴿والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة﴾. ورَوى عليّ أن النبيّ ـ ﷺ ـ قال :" من استذل مؤمناً أو مؤمنة أو حَقّره لفقره وقلة ذات يده شهره الله يوم القيامة ثم فضحه ومن بهت مؤمناً أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه الله تعالى على تَلّ من نار يوم القيامة حتى يخرج مما قال فيه وإن عِظَم المؤمن أعظم عند الله وأكرم عليه من مَلَك مقرَّب وليس شيء أحبَّ إلى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة وإن الرجل المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده " ثم قيل : معنى ﴿والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة﴾ أي في الدرجة ؛ لأنهم في الجنة والكفّار في النار. ويحتمل أن يراد بالفوق المكان ؛ من حيث إن الجنة في السماء، والنار في أسفل السافلين. ويحتمل أن يكون التفضيل على ما يتضمنه زعم الكفار ؛ فإنهم يقولون : وإن كان مَعادٌ فلنا فيه الحظ أكثر مما لكم ؛ ومنه حديث خبّاب مع العاص ابن وائل ؛ قال خبّاب : كان لي على العاص بن وائل دَيْن فأتيتُه أتقاضاه ؛ فقال لي : لن أقضيَك حتى تكفُرَ بمحمد ـ ﷺ ـ. قال فقلت له : إني لن أكفر به حتى تموت ثم تُبعث. قال : وإني لمبعوثٌ مِن بعد الموت ؟ ا فسوف أقضيك إذا رجعتُ إلى مالٍ وولد. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٩﴾