من فوائد الإمام الجصاص فى الآية
قال رحمه الله :
بَابُ مَنْ يُبْدَأُ بِهِ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ الْآيَةَ.
فَالسُّؤَالُ وَاقِعٌ عَنْ مِقْدَارِ مَا يُنْفَقُ، وَالْجَوَابُ صَدَرَ عَنْ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ مَعَ بَيَانِ مَنْ تُصْرَفُ إلَيْهِ النَّفَقَةُ، فَقَالَ تَعَالَى :﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ ﴾ فَذَاكَ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ، وَالْكَثِيرَ لِشُمُولِ اسْمِ الْخَيْرِ لِجَمِيعِ الْإِنْفَاقِ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَبَيَّنَ فِيمَنْ تُصْرَفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ :﴿ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ وَمَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ فِي مَنْزِلَتِهِمْ بِالْقُرْبِ وَالْفَقْرِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ النَّفَقَةُ، وَهُوَ قَوْلُهُ :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ ﴾ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :" مَا يَفْضُل عَنْ أَهْلِك "، وَقَالَ قَتَادَةُ :" الْعَفْوُ الْفَضْلُ ".
فَأَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ النَّفَقَةَ فِيمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ ؛ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ﴾ وَفِي خَبَرٍ آخَرَ :﴿ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا أَبْقَتْ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ﴾، فَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ ﴾.