وبعد ذلك زاد وبين أنه : مادمتم تعتقدون أن الإنفاق واجب فعليكم أن تعلموا ما هو الشيء الذي ينفقونه، ومن الذي يستحق أن ينفق عليه. " قل ما أنفقتم من خير". والخير هو الشيء الحسن النافع. والمنفق عليه هو دوائر الذي ينفق ؛ لأن الله يريد أن يحمل المؤمن دوائره الخاصة، حتى تلتحم الدوائر مع بعضها فيكون قد حمل المجتمع على كل المجتمع، لأنه سبحانه حين يحملني أسرتي ووالدي والأقربين، فهذه صيانة للأهل، وكل واحد منا له والدان وأقربون، ودائرتي أنا تشمل والدي وأقاربي، ثم تشيع في أمر آخر ؛ في اليتامى والمساكين. وهات كل واحد واحسب دوائره من الوالدين والأقربين وما يكون حوله من اليتامى والمساكين فستجد الدوائر المتماسكة قد شملت كل المحتاجين، ويكون المجتمع قد حمل بعضه بعضا، ولا يوجد بعد ذلك إلا العاجز عن العمل. وعرفنا أن السائل هو " عمرو بن الجموح"، وكانت له قصة عجيبة ؛ كان أعرج والأعرج معذور من الله في الجهاد، فليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج.
وأراد الرسول ﷺ أن يخرج من غزوة فجاءه عمرو بن الجموح وقال : يا رسول الله لا تحرمني من الجهاد فإن أبنائي يحرمونني من الخروج لعرجتي. قال له النبي ﷺ : إن الله قد عذرك فيمن عذر. قال : ولكني يا رسول الله أحب أن أطأ بعرجتي الجنة. هذا هو من سأل عن ماذا ينفقون، فجاءت الإجابة من الحق :" قل ما أنفقتم من خير" أي ما أخرجتم من مال ؛ لأن الإنفاق يعني الإخراج، والخير هنا هو المال، والإنفاق يقتضي إخراج المال عن ملكية الإنسان ببيع أو هبة أو صلة، وأصل كلمة " الإنفاق" مأخوذ من " نفقت السوق" أي راجت ؛ لأن السوق تقوم على البضاعة، وحين تأتي إلى السوق ولا تجد سلعاً فذلك يعني أن السوق رائجة، ولكن عندما تجد البضائع مكدسة بالسوق فذلك يعني أن السوق لازالت قائمة.


الصفحة التالية
Icon