ولو علم الذين يرفضون المودة والعطف على اليتيم لأن والده ترك له ما يكفيه، لو علموا ما يترتب على هذا التعاطف من نفع معنوي لتنافسوا على التعاطف معه ؛ فليست المسألة مسألة حاجة مادية، وإنما هي حاجة معنوية. وأنا أقول دائما : يجب أن نربي في الناشئة أن الله لا يأخذ أحداً من خلقه وفي الأرض حاجة إليه ؛ وارقبوا هذا الأمر فيمن حولكم تجدوا واحداً وقد توفى وترك أولاداً صغاراً فيحزن أهله ومعارفه ؛ لأنه ترك أولاده صغاراً، وينسون الأمر من بعد ذلك، وتمر فترة من الزمن ويفاجأ الناس بأن أولاد ذلك الرجل قد صاروا سادة الحي، وكأن والدهم كان محبسا على رزقهم، فحينما انتهى الأب فتح الله على الأبناء صنابير الرزق، وذلك حتى لا يفتن إنسان في سبب.
وبعد الإنفاق على اليتامى نجد الإنفاق على المساكين وابن السبيل، وقد عرفنا أن المسكين هو المحتاج وابن السبيل هو المنقطع عن أهله وماله. ويختم الحق هذه الآية بقوله :" وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم". إن الله يريد أن يرد الطبع البشري إلى قضية هي : إياك أن تطلب جزاء الخير الذي تفعله مع هؤلاء من أحد من الخلق، ولكن اطلبه من الله، وإياك أن تحاول أن يعلم الناس عنك أنك منفق على الأقارب واليتامى وابن السبيل ؛ لأن الذين تريدهم أن يعلموا لا يقدرون لك على جزاء، وعلمهم أن يزيدك شيئا، وحسبك أن يعلم الله الذي أعطاك، والذي أعطيت مما استخلفك فيه ابتغاء مرضاته. فحين ينفق الناس لمرضاة الناس، يلقون من بعد ذلك النكران والجحود فيكون من أعطى قد خسر ما أنفق، واستبقى الشر ممن أنفقه عليهم.


الصفحة التالية
Icon