فثبت بما ذكرنا أن الطبع ولو كان يكره القتال من أعداء الله فهو خير كثير وبالضد، ومعلوم أن الأمرين متى تعارضا فالأكثر منفعة هو الراجح وهذا هو المراد من قوله :﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٢٤ ـ ٢٥﴾
قوله تعالى :﴿وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
قال البقاعى :
ولما رغبهم سبحانه وتعالى في الجهاد بما رجالهم فيه من الخير رهبهم من القعود عنه بما يخشى فيه من الشر. قال الحرالي : فأشعر أن المتقاعد له في تقاعده آفات وشر في الدنيا والآخرة ليس أن لا ينال خير الجهاد فقط بل وينال شر التقاعد والتخلف - انتهى. فقال تعالى :﴿وعسى أن تحبوا شيئاً﴾ أي كالقعود فتقبلوا عليه لظنكم أنه خير لكم ﴿وهو﴾ أي والحال أنه ﴿شر لكم﴾ لما فيه من الذل والفقر وحرمان الغنيمة والأجر وليس أحد منكم إلا قد جرب مثل ذلك مراراً في أمور دنياه، فإذا صح ذلك في فرد صار كل شيء كذلك في إمكان خيريته وشريته فوجب ترك الهوى والرجوع إلى العالم المنزه عن الغرض ولذلك قال عاطفاً على ما تقديره : فالله قد حجب عنكم سر التقدير ﴿والله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة ﴿يعلم﴾ أي له علم كل شيء وقد أخبركم في صدر هذا الأمر أنه رؤوف بالعباد فهو لا يأمركم إلا بخير.
وقال الحرالي : شهادة بحق العلم يرجع إليها عند الأغبياء في تنزل الخطاب - انتهى.
والآية من الاحتباك ذكر الخير أولاً دال على حذفه ثانياً وذكر الشر ثانياً دال على حذفه مثله أولاً.