فصل
﴿ عَسَى﴾ توهم الشك مثل ﴿لَعَلَّ﴾ وهي من الله تعالى يقين، ومنهم من قال إنها كلمة مطمعة، فهي لا تدل على حصول الشك للقائل إلا أنها تدل على حصول الشك للمستمع وعلى هذا التقدير لا يحتاج إلى التأويل، أما إن قلنا بأنها بمعنى ﴿لَعَلَّ﴾ فالتأويل فيه هو الوجوه المذكورة في قوله تعالى :﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ﴿البقرة : ١٨٣ ] قال الخليل :{عَسَى﴾ من الله واجب في القرآن قال :﴿فَعَسَى الله أَن يَأْتِىَ بالفتح﴾ ﴿المائدة : ٥٢ ] وقد وجد {وَعَسَى الله أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا﴾ ﴿يوسف : ٨٣ ] وقد حصل والله أعلم. أ هـ {مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٢٥﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً﴾ قيل :" عسى" بمعنى قد، قاله الأصم. وقيل : هي واجبة. و" عسى" من الله واجبة في جميع القرآن إلا قوله تعالى :﴿عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ﴾ ﴿التحريم : ٥ ]. وقال أبو عبيدة :" عسى" من الله إيجاب، والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقَّة وهو خير لكم في أنكم تَغلبون وتَظفرون وتَغنَمون وتُؤجَرون، ومن مات مات شهيداً، وعسى أن تحبّوا الدّعة وترك القتال وهو شرٌّ لكم في أنكم تُغلبون وتُذلُّون ويذهب أمركم.
قلت : وهذا صحيح لا غبار عليه ؛ كما اتفق في بلاد الأندلس، تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من الفرار ؛ فاستولى العدوّ على البلاد، وأيّ بلاد ؟ ! وأَسَر وقتَل وسبَى واسترق، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ذلك بما قدّمت أيدينا وكسبته! وقال الحسن في معنى الآية : لا تكرهوا المَلَمَّات الواقعة ؛ فَلرُبّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك، ولَرُبّ أمر تحبّه فيه عَطَبك، وأنشد أبو سعيد الضَّرير :
رُبَّ أمرٍ تتّقِيهِ... جرّ أمراً تَرتَضِيهِ
خَفِيَ المحبوبُ منه... وبَدَا المكروهُ فيهِ.
أهـ {تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٩﴾
وقال الآلوسى :
( وعسى ) الأولى : للإشفاق والثانية : للترجي على ما ذهب إليه البعض، وإنما ذكر عسى الدالة على عدم القطع لأن النفس إذا ارتاضت وصفت انعكس عليها الأمر الحاصل لها قبل ذلك فيكون محبوبها مكروهاً ومكروهها محبوبهاً فلما كانت قابلة بالارتياض لمثل هذا الانعكاس لم يقطع بأنها تكره ما هو خير لها وتحب ما هو شر لها فلا حاجة إلى أن يقال إنها هنا مستعملة في التحقيق كما في سائر القرآن ما عدا قوله تعالى :﴿عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ﴾ ﴿التحريم : ٥ ]. أ هـ {روح المعانى حـ ٢ صـ ١٠٧﴾