لطيفة
الجهاد على قسمين : جهاد أصغر وهو جهاد السيف، وجهاد أكبر وهو جهاد النفس، فيجاهدها أولاً في القيام بجميع المأمورات، وترك جميع المنهيات، ثم يجاهدها ثانياً في ترك العوائد والشهوات، ومجانبة الرخص والتأويلات، ثم يجاهدها ثالثاً في ترك التدبير والاختيار، والسكون تحت مجاري الأقدار، حتى لا تختار إلا ما اختار الحق تعالى لها، ولا تشتهي إلا ما يقضي الله عليها، فإن النفس جاهلة بالعواقب، فعسى أن تكره شيئاً وهو خير لها، وعسى أن تحب شيئاً وهو شر لها.
فعسى أن تأتيها المسار من حيث تعتقد المضارّ، وعسى أن تأتيها المضار من حيث ترجو المسار، وعسى أن تنفع على أيدي الأعداء، وعسى أن تضر على أيدي الأحباء، وعسى أن تكره الموت وهو خير لها، وعسى أن تحب الحياة وهي شر لها، فالواجب تسليم الأمور إلى خالقها، الذي هو عالم بمصالحها، ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾. أ هـ ﴿البحر المديد حـ ١ صـ ٢٤٣﴾
من فوائد ابن عرفة فى الآية
قوله تعالى :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال...﴾.
قال ابن عرفة : لفظ الكتب دليل على تأكيد وجوب القتال. والكتب إما حكم الله أو في اللوح المحفوظ أو في القرآن. والجهاد هنا ( قيل فرض عين ) وقيل فرض كفاية.
قال ابن عرفة : الظاهر أنه فرض ( عين ) لأنا إذا شككنا في شيء فيحمل على الأكثر. وفرض العين في التكاليف أكثر من فرض الكفاية.
( قيل له : في غير هذا، وأما هنا فلا ؟ فقال : هذا محل النزاع، وكان بعضهم يقول : إنه فرض عين في كفاية ) فواجب على ( جميع ) الناس حضور القتال. ويكفي فيه قتال البعض، والحضور فرض عين ( والقتال فرض ) كفاية كالصلاة في الدار المغصوبة فإنّها فرض في حرام.
قال ابن عرفة : وإذا قلنا : إنّ خطاب المواجهة يعم ولا يخص، فنقول : الأمر للحاضر والغائب وغلب فيه المخاطب. والأمر للحاضرين ويتناول الغائب ( بالقياس ) عليه من باب ( لا فارق ).