والمحبوب لغيره قسمان أيضا : أحدهما ما يلتذ المحب بإدراكه وحصوله والثاني : ما يتألم به ولكن يحتمله لإفضائه إلى المحبوب كشرب الدواء الكريه قال تعالي :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى إن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى إن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾.
فأخبر سبحانه إن القتال مكروه لهم مع إنهم خير لهم لإفضائه إلى أعظم محبوب وأنفعه والنفوس تحب الراحة والدعة والرفاهية وذلك شر لها لإفضائه إلى فوات هذا المحبوب فالعاقل لا ينظر إلى لذة المحبوب العاجل فيؤثرها وألم المكروه العاجل فيرغب عنه فإن ذلك قد يكون شرا له بل قد يجلب عليه غاية الألم وتفوته أعظم اللذة بل عقلاء الدنيا يتحملون المشاق المكروهة لما يعقبهم من اللذة بعدها وإن كانت منقطعة.
فالأمور أربعة : مكروه يوصل إلى مكروه ومكروه يوصل إلى محبوب ومحبوب يوصل إلى محبوب ومحبوب يوصل إلى مكروه فالمحبوب الموصل إلى المحبوب قد اجتمع فيه داعي الفعل من وجهين والمكروه الموصل إلى مكروه قد اجتمع فيه داعي الترك من وجهين.
بقي القسمان الآخران يتجاوز بهما الداعيان- وهما معترك الابتلاء والامتحان- فالنفس توثر أقربهما جوارا منهما وهو العاجل والعقل والإيمان يؤثرا نفعهما وإبقائها والقلب بين الداعيين وهو إلى هذا مرة إلى هذا مرة وهاهنا محل الابتلاء شرعا وقدرا فداعي العقل والإيمان ينادي كل وقت : حي علي الفلاح عند الصباح يحمد القوم السري وفي الممات يحمد العبد التقى فإن اشتد ظلام ليل المحبة وتحكم سلطان الشهوة والإرادة يقول : يا نفس اصبري فما هي إلاّ ساعة ثم تنقضي ويذهب هذا كله ويزول.