لقد بلغ الموقف في عصر رسول الله ﷺ من الاختيار والابتلاء إلى القمة، ومع ذلك واصل الرسول ﷺ والذين معه الاستمساك بالإيمان. لقد مستهم البأساء والضراء وزلزلوا، أي أصابتهم رجفة عنيفة هزتهم، حتى وصل الأمر من أثر هذه الهزة أن " يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب". إن مجيء الأسلوب بهذا الشكل " متى نصر الله" يعني استبطاء مجيء النصر أولا، ثم التبشير من بعد ذلك في قوله الحق :" ألا نصر الله قريب". ولم يكن ذلك للشك والارتياب فيه. وهذا الاستبطاء، ثم التبشير كان من ضمن الزلزلة الكبيرة، فقد اختلطت الأفكار : أناس يقولون :" متى نصر الله" فإذا بصوت آخر من المعركة يرد عليهم قائلا :" ألا إن نصر الله قريب".
وسياق الآية يقتضي أن الذين قالوا :" متى نصر الله" هم الصحابة، وأن الذين قال :" ألا إن نصر الله قريب" هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ينتقل الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك إلى قضية أخرى، هذه القضية شاعت في هذه الصورة وهي ظاهرة سؤال المؤمنين عن الأشياء، وهي ظاهرة إيمانية صحية، وكان في استطاعة المؤمنين ألا يسألوا عن أشياء لم يأتي فيها تكليف إيماني خوفا من أن يكون في الإجابة عنها تقييد للحركة، ولذلك قال رسول الله ﷺ :" ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" أخرجه الإمام مسلم والنسائى وابن ماجه والإمام احمد فى مسنده عن ابى هريرة. ورغم ذلك كانوا يسألون عن أدق تفاصيل الحياة، وكانت هذه الظاهرة تؤكد أنهم عشقوا التكليف من الله ؛ فهم يريدون أن يبنوا كل تصرفاتهم بناءً إسلامياً، ويريدون أن يسألوا عن حكم الإسلام في كل عمل ليعملوا على أساسه.
يقول الحق سبحانه وتعالى


الصفحة التالية
Icon